للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حاضرة.

ثم قال: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ﴾، أي: تكبّر وتجبّر وطغى، ﴿وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا﴾، أي: أصنافًا، قد صرف كل صنف فيما يريد من أمور دولته.

وقوله: ﴿يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ﴾، يعني: بني إسرائيل، وكانوا في ذلك الوقت خيار أهل زمانهم، هذا، وقد سلط عليهم هذا الملك الجبار العنيد، يستعملهم في أخس الأعمال، ويَكدُّهُم ليلًا ونهارًا في أشغاله وأشغال رعيته، ويقتل مع هذا أبناءهم ويستحيي نساءهم، إهانة لهم واحتقارًا، وخوفًا من أن يوجد منهم الغلام الذي كان قد تخوف هو وأهل مملكته من [١] أن يوجد منهم غلام يكون سبب هلاكه وذهاب دولته علي يديه، وكانت القبط قد تلقوا هذا من بني إسرائيل فيما كانوا يدرسونه من قول إبراهيم الخليل، حين ورد الديار المصرية، وجرى له مع جبارها ما جرى، حين أخذ سارة ليتخذها جارية، فصانها الله منه، ومنعه منها بقدرته وسلطانه، فبشر إبراهيم ولده أنه سيولد من صلبه وذريته من يكون هلاك مَلك مصر علي يديه، وكانت [٢] القبط تتَحدث بهذا عند فرعون، فاحترز فرعون من ذلك، وأمر بقتل ذكما [٣] بني إسرائيل، ولن ينفع حذر من قدر؛ لأن أجل الله إذا جاء لا يؤخر، ولكل أجل كتاب، ولهذا قال: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (٥) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (٦)﴾، وقد فعل تعالى بهم ذلك، كما قال: ﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ﴾ وقال: ﴿كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾، أراد فرعون بحوله وقوته أن ينجو من موسى، فما نفعه ذلك مع [٤] قَدَر الملك العظيم الذي لا يُخَالف أمره القدري، بل نفذ حكمه وجرى قلمه في القِدَم [٥] بأن يكون إهلاك فرعون على يديه، بل يكون هذا الغلام الذي احترزت من وجوده، وقتلتَ بسببه ألوفًا من الولدان إنما [٦] منشؤه ومرباه علي فراشك، وفي دارك، وغذاؤه من طعامك، وأنت تربيه وتدلله وتتفداه [٧]، وحتفك وهلاكك وهلاك جنودك على يديه، لتعلم أن رب السموات العُلا هو القاهر الغالب العظيم، العزيز القوي الشديد المحال، الذي ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن.

﴿وَأَوْحَينَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا


[١]- في ز، خ: "منه".
[٢]- في ت: "فكانت".
[٣]- في ت: "ذكور".
[٤]- في ز، خ: "من".
[٥]- في ز، خ: "القدر".
[٦]-في ز، خ: "وإنما".
[٧]- في ز، خ: "تنفذه".