للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أي: تخافون أن يقاسموكم [١] الأموال.

قال أبو مجلز: إن مملوكك لا تخاف أن يقاسمك مالك وليس له ذاك، كذلك [٢] الله لا شريك له.

والمعنى أن أحدكم يأنف من ذلك، فكيف تجعلون لله الأنداد من خلقه؟ وهذا كقوله تعالى: ﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ﴾ أي: من البنات، حيث جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثًا، وجعلوها بنات الله، وقد كان أحدهم إذا بُشر ﴿بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (٥٨) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ﴾؟ فهم يأنفون من البنات، وجعلوا الملائكة بنات الله، فنسبوا إليه ما لا يرتضونه لأنفسهم، فهذا أغلظ الكفر. وهكذا [٣] في هذا المقام جعلوا له شركاء من عبيده وخلقه، وأحدهم يأبى غاية الإِباء ويأنف غاية الأنفة من ذلك، أن يكون عبدُه شريكه في ماله، يساويه فيه، ولو شاء لقاسمه عليه، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا.

قال الطبراني (٢١): حدثنا محمود بن الفرج الأصبهاني، حدثنا إسماعيل بن عمرو البجلي، حدثنا حماد بن شعيب، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كان يلبي أهل الشرك: لبيك اللهم، لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك. فأنزل الله: ﴿هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ ولما كان التنبيه بهذا المثل على براءته تعالى - ونزاهته بطريق الأولى والأحرى - قال: ﴿كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾.

ثم قال تعالى مبينًا أن المشركين إنّما عبدوا غيره سَفَها من أنفسهم وجهلًا: ﴿بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾، أي: المشركون [٤] ﴿أَهْوَاءَهُمْ﴾، أي: في عبادتهم الأنداد بغير علم ﴿فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ﴾، [أي: فلا أحد يهديهم إذا كتب الله ضلالهم] [٥]، ﴿وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾، أي: ليس لهم [عن ذلك] [٦] منقذ ولا مجير، ولا محيد لهم عنه، لأنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن.

﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ


(٢١) المعجم الكبير (٢٠/ ١٢)، وقال الهيثمي في المجمع (٣/ ٢٢٣): "وفيه حماد بن شعيب وهو ضعيف".