للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَيدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ﴾.

﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٢٨) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (٢٩) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (٣٠)

يقول تعالى مخبرًا عن استعجال الكفار وقوع بأس الله بهم، وحلول [١] غضبه ونقمته عليهم، استبعادًا وتكذيبًا وعنادًا ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ﴾؟، أي: متى تنصر علينا يا محمد؟ كما تزعم أن لك وقتًا تُدَال [٢] علينا، ويُنتقم لك منا، فمتى يكون هذا؟ ما نراك أنت وأصحابك إلا مختفين خائفين ذليلين! قال الله تعالى: ﴿قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ﴾، أي: إذا حَل بكم بأس اللَّه وسَخَطه وغضبه في الدنيا وفي الأخرى، ﴿لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾، كما قال تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٨٣) فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (٨٤) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ﴾.

ومن زعم أن المراد من هذا الفتح فتحُ مكة فقد أبعد النجعة، وأخطأ فأفحش، فإن يوم الفتح قد قَبل رسولُ الله، ، إسلام الطلقاء، وقد كانوا قريبًا من ألفين، ولو كان المراد فتحَ مكة لما قبل إسلامهم، لقوله: ﴿قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾، وإنما المراد الفتح الذي هو القضاء والفصل؛ كقوله تعالى: ﴿فَافْتَحْ بَينِي وَبَينَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ وكقوله: ﴿قُلْ يَجْمَعُ بَينَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَينَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ﴾ وقال تعالى: ﴿وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ﴾، وقال: ﴿وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وقال: ﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ﴾.

ثم قال: ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ﴾، أي: أعرض عن هؤلاء المشركين وبلغ ما أنزل إليك من ربك، كقوله: ﴿اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إلا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾ وانتظر، فإن الله سينجز لك ما وعدك وسينصرك على من خالفك، إنه لا يخلف الميعاد.

وقوله: ﴿إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ﴾، أي: أنت منتظر، وهم منتظرون، ويتربصون بكم الدوائر،


[١]- في خ: "وطول".
[٢]- في ز، خ: "يدال".