الأتباع ﴿لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا﴾، وهم قادتهم وسادتهم: ﴿لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ﴾، أي: لولا أنتم تصدونا لكنا [١] اتبعنا الرسل وآمنا بما جاءونا به. فقال لهم القادة والسادة، وهم الذين استكبروا: ﴿أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ﴾، أي: نحن ما فعلنا بكم ذلك [٢] أكثر من أنَّا دعوناكم فاتبعتمونا من غير دليل ولا برهان، وخالفتم الأدلة والبراهين والحجج التي جاءت بها الأنبياء، لشهوتكم واختياركم لذلك، ولهذا قالوا: ﴿بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (٣٢) وَقَال الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ﴾، أي: بل كنتم تمكرون بنا ليلًا ونهارًا، وتَغُرّونا وتُمَنونا، وتخبرونا أنا على هدى وأنا على شيء، فإذا جميع ذلك باطل وكَذبٌ ومَين [٣].
وقال قتادة، وابن زيد: ﴿بَلْ مَكْرُ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ﴾، يقول: بل [٤] مكرهم بالليل والنهار. وكذا قال مالك، عن زيد بن أسلم: مكرهم بالليل والنهار.
﴿إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا﴾، أي: نظراء وآلهة معه، وتقيموا لنا شُبَهًا وأشياءَ من المحال، تضلونا بها. ﴿وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ﴾، أي: الجميع من السادة والأتباع، كُلُّ نَدم على ما سَلَف منه.
﴿وَجَعَلْنَا الْأَغْلَال فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾، وهي السلاسل التي تجمع أيديهم مع أعناقهم، ﴿هَلْ يُجْزَوْنَ إلا مَا [كَانُوا يَعْمَلُونَ][٥]﴾، أي: إنما نجازيكم بأعمالكم، كُلُّ بحسبه، للقادة عذاب بحسبهم، وللأتباع بحسبهم؛ قال: ﴿لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا فروة بن أبي المغراء، حدثنا محمد بن سليمان بن الأصبهاني، عن أبي سنان ضبرار بن صُرد، عن عبد الله بن أبي الهُذَيل، عن أبي هريرة ﵁؛ قال: قال رسول الله ﷺ: "إن جهنم لما سيق إليها أهلها تَلَقَّاهم لهبها، لم لَفَحتهم [٦] لَفحةً فلم يبق لحم إلا سقط على العرقوب"(٢٩).
وحدثنا أبي، حدثنا أحمد بن أبي الحواري، حدثنا الطيب أبو الحسن، عن الحسن بن يحيى الخُشُني؛ قال: ما في جهنم دار ولا مغار ولا غل ولا سلسلة ولا قيد، إلا اسم صاحبها عليه مكتوب. قال: فحدثتُه أبا سليمان -يعني الداراني، رحمة الله عليه، فبكى ثم قال: ويحك! فكيف به لو جمع هذا كله عليه، فجعل القيد في رجليه، والغُلّ في يديه، والسلسلة في عنقه،
(٢٩) ورواه الطبراني في المعجم الأوسط حديث (٢٧٨، ٩٣٦٥)، وأبو نعيم في الحلية (٤/ ٣٦٣) من طرق عن محمد بن سليمان الأصبهاني، به. وقال الهيثمي في المجمع (١٠/ ٣٨٩): "وفيه محمد بن سليمان الأصبهاني وهو ضعيف".