للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المتصرف في الخلق بتسخيره بما فيه من [١] كواكب ثوابت وسيارات، تبدو من المشرق، وتغرب من المغرب. واكتفى بذكر المشارق عن المغارب لدلالتها عليهما [٢]، وقد صرح بذلك في قوله: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ﴾ وقال في الآية الأخرى: ﴿رَبُّ الْمَشْرِقَينِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَينِ﴾ يعني: في الشتاء والصيف، للشمس والقمر.

﴿إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (٦) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيطَانٍ مَارِدٍ (٧) لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (٨) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (٩) إلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (١٠)

يخبر تعالى أنه زين السماء الدنيا للناظرين إليها من أهل الأرض ﴿بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ﴾ قرئ بالإِضافة وبالبدل، وكلاهما بمعنى واحد، فالكواكب السيارة والثوابت يَثْقُب ضوؤها جرمَ السماء الشفاف فتضيء لأهل الأرض، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ﴾، وقال: ﴿وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (١٦) وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيطَانٍ رَجِيمٍ (١٧) إلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ﴾.

وقوله هاهنا: ﴿وَحِفْظًا [٣]﴾ تقديره: وحَفظناها حفظًا ﴿مِنْ كُلِّ شَيطَانٍ مَارِدٍ﴾ يعني: المتمرد العاتي إذا أراد أن يسترق السمع، أتاه شهاب ثاقب فأحرقه؛ ولهذا قال: ﴿لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى﴾ أي: لئلا يصلوا [٤] إلى الملأ الأعلى، وهي السموات ومن فيها من الملائكة، إذا تكلموا بما يوحيه الله مما يقوله من شرعه وقدره، كما تقدم بيان ذلك في الأحاديث التي أوردناها عند قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَال رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾.

ولهذا قال: ﴿وَيُقْذَفُونَ﴾ أي: يُرمَون ﴿مِنْ كُلِّ جَانِبٍ﴾ أي: من كل جهة يقصدون السماء منها ﴿دُحُورًا﴾ أي: رجمًا يدحرون به ويرجمون [٥]، ويمنعون من الوصول إلى ذلك ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ﴾ أي: في الدار الآخرة لهم عذاب دائم موجع مستمر، كما قال: ﴿وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ﴾.

وقوله: ﴿إلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ﴾ أي: إلا من اختطف من الشياطين الخطفة، وهي الكلمة يسمعها من السماء فيلقيها إلى الذي تحته، ويلقيها الآخر إلى الذي تحته، فربما أدركه


[١]- سقط من: ز.
[٢]- في ز: "عليها".
[٣]- في ز: "وحفظناها".
[٤]- في ز، خ: "يصلون".
[٥]- في ت: "ويزجرون".