للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله: ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً [مِثْلَ صَاعِقَةِ] [١] عَادٍ وَثَمُودَ (١٣)﴾ فأمسك عتبة على فيه، وناشده بالرَّحِم، ورجع إلى أهله، ولم يخرج إلي قريش واحتبس عنهم. فقال أبو جهل: يا معشر قريش، والله ما نرى عتبة إلا قد صَبَا إلى محمد، وأعجبه طعامه، وما ذاك إلا من حاجة أصابته، فانطلقوا بنا إليه. فانطلقوا إليه فقال أبو جهل: يا عتبة، ماحَبَسك عنا إلا أنك صبوت إلى محمد وأعجبك طعامه، فإن كانت لك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن طعام محمد. فغضب عتبة، وأقسم أن لا يكلم محمدًا أبدًا، وقال: والله لقد علمتم أني من أكثر قريش مالًا، ولكني أتيته وقَصَصتُ عليه القصة [٢] فأجابني بشيء والله ما هو بشعر ولا كهانة ولا سحر، وقرأ السورة إلى قوله: ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ﴾، فأمسكت بفيه، وناشدته بالرحم أن يَكُفَّ، وقد علمتم أن محمدًا إذا قال شيئًا لم يكذب، فخشيت أن ينزل بكم العذاب.

وهذا السياق أشبه من سياق البزار وأبي يعلى، والله أعلم. وقد أورد هذه القصة الإِمام محمد بن إسحاق بن يَسَار في كتاب "السيرة" (٤) على خلاف هذا النمط [٣]، فقال:

حدثني يزيد [٤] بن زياد، عن محمد بن كعب القرظي قال: حُدّثتُ أن عتبة بن ربيعة -وكان سيدًا- قال يومًا، هو جالس في نادي قريش، ورسول الله جالس في المسجد وحده: يا معشر قريش، ألا أقوم إلى محمد فأكلِّمَه وأعرض عليه أمورًا لعله يقبل بعضها، فنعطيه أيَّها شاء ويكف عنا؟ وذلك حين أسلم [٥] حمزة، ورأوا أصحاب رسول الله يزيدون ويكثرون، فقالوا: بلى يا أبا الوليد، فقم إليه فكلمه. فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله فقال: يا ابن أخي، إنك منا حيث قد علمت من [السِّطَة في] [٦] العشيرة، والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فَرَّقْتَ به جماعتهم، وسفهت به أحلامهم، وعبت به آلهتهم ودينهم، وكفّرت به من مضى من آبائهم، فاسمع مني أعرض عليك أمورًا تنظر فيها لعلك تقبل منا بعضها. قال: فقال له رسول الله : "قل يا أبا الوليد أسمع". قال: يا ابن أخي، إن كنتَ إنما تريدُ بما جئتَ به من هذا الأمر مالًا جمعنا لك من أموالنا؛ حتى تكون من أكثرنا أموالًا. وإن كنت تريد به شرفًا سَوّدناك علينا، حتى لا نقطع أمرًا دونك. وإن كنت تريد به ملكًا ملكناك علينا. وإن كان هذا [٧] الذي يأتيك رَئيًّا تراه لا تستطيع رده عن نفسك، طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غَلَب التابعُ على الرجل حتى يُداوي منه -أو كما قال له-


(٤) - السيرة ١/ ٣٠٥، ومن طريق ابن إسحاق أخرجه البيهقي في الدلائل ٢/ ٢٠٤.