للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ﴾. فوقف فقال: بلغنا أن العبد المؤمن حين [١] يبعثه الله من قبره يتلقاه ملكاه [٢] اللذان كانا معه في الدنيا، فيقولان له: لا تخف ولا تحزن، ﴿وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ قال: فيؤمن الله خوفه، ويُقِرّ عينه، فما عظيمة يَخْشى الناس يوم القيامة إلا هي للمؤمن قُرّة عين، لما هَدَاه الله، ولما كان يعمل له في الدنيا (٣٢).

و [٣] قال زيد بن أسلم: يبشرونه عند موته وفي قبره وحين يبعث. رواه ابن أبي حاتم. وهذا القول يجمع الأقوال كلها، وهو حسن جدًّا، وهو الواقع.

وقوله: ﴿نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ أي: [تقول الملائكة للمؤمنين] [٤] عند الاحتضار: نحن كنا أولياءكم، أي: قرناءكم في الحياة الدنيا، نُسددكم ونوفقكم، ونحفظكم بأمر الله، وكذلك نكون معكم في الآخرة، نُؤْنس منكم الوحشة في القبور، وعند النفخة في الصور، ونؤمنكم يوم البعث والنشور، ونجاوز بكم الصراط المستقيم، ونوصلكم إلى جنات النعيم. ﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ﴾ أي: في الجنة من جميع ما تختارون مما تشتهيه النفوس، وتقر به العيون، ﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ﴾ [أي: مهما طلبتم وجدتم، وحضر بين أيديكم كما اخترتم] [٥]، ﴿نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ﴾ [أي: ضيافة وعطاء وإنعاما من غفور لذنوبكم، رحيم بكم رءوف، حيث غفر، وستر، ورحم ولطف.

وقد ذكر ابن أبي حاتم هاهنا حديث "سُوق الجنة" عند قوله تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (٣١) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ﴾ [٦]، فقال:

حدثنا أبي، حدثنا هشَام بن عَمّار، حدثنا عبد الحميد بن حَبِيب بن أبي العشْرين أبي سعيد، حدثنا الأوزاعي، حدثني حَسَّان بن عطية، عن سعيد بن المسيب: أنه لقي أبا هريرة، فقال أبو هريرة: نسأل الله أن يجمع بيني وبينك في سُوق الجنة. فقال سعيد: أوَ فيها سوق؟ قال: نعم، أخبرني رسول الله : "أن أهل الجنة إذا دخلوا فيها، نزلوا بفضل أعمالهم، فيؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا، فيزورون الله ﷿ ويبرز لهم عرشه، ويَتَبدّى لهم في روضة من رياض الجنة، وتوضع لهم منابر من نور، ومنابر من لؤلؤ، ومنابر من ياقوت، ومنابر من زبرجد، ومنابر من ذهب، ومنابر من


(٣٢) - عزاه السيوطي في الدر (٥/ ٦٨٣) إلى ابن أبي حاتم، وابن المنذر. وإسناده حسن، جعفر بن سليمان تكلم فيه بعضهم من قبل مذهبه في التشيع، ووثقه جماعة.