للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ﴾ الآية. والدين الذي جاءت به الرسل كلهم هو: عبادة اللَّه وحده لا شريك له، كما قال: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إلا نُوحِي إِلَيهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إلا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾. وفي الحديث: "نحن معشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد" (١١). أي: القدر المشترك بينهم هو عبادة اللَّه وحده لا شريك له، وإن اختلفت شرائعهم ومناهجهم؛ كقوله تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾، ولهذا قال هاهنا: ﴿أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ أي: وصى اللَّه جميع الأنبياء بالائتلاف والجماعة، ونهاهم عن الافتراق والاختلاف.

وقوله: ﴿كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيهِ﴾ أي: شق عليهم وأنكروا ما تدعوهم إليه يا محمد، من التوحيد.

ثم قال: ﴿اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيهِ مَنْ يُنِيبُ﴾ أي: هو الذي يُقَدّر الهداية لمن يستحقها، ويكتب الضلالة على من آثرها على طريق الرشد، ولهذا قال: ﴿وَمَا اخْتَلَفُوا إلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ﴾ أي: إنما كان مخالفتهم للحق بعد بلوغه إليهم، وقيام الحجة عليهم، وما حملهم على ذلك إلا البغيُ والعنادُ والمشاقة.

ثم [١] قال تعالى: ﴿وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَينَهُمْ﴾ أي: لولا الكلمة السابقة من اللَّه بإنظار العباد بإقامة حسابهم إلى يوم المعاد، لعجل لهم العقوبة في الدنيا سريعًا.

وقوله: ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ﴾، يعني: الجيل المتأخر بعد القرن الأول المكذب للحق ﴿لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ﴾ أي: ليسوا على يقين من أمرهم، وإنما هم مقلدون لآبائهم وأسلافهم، بلا دليل ولا بُرهان، وهم في حيرة من أمرهم، وشك مريب، وشقاق بعيد.

﴿فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَينَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَينَنَا وَبَينَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَينَنَا وَإِلَيهِ الْمَصِيرُ (١٥)

اشتملت هذه الآية الكريمة على عشر كلمات مستقلات، كل منها منفصلة عن التي قبلها، حكم برأسه، قالوا: ولا نظير لها سوى آية الكرسي، فإنها أيضًا عشرة فصول كهذه.

فقوله [٢]: ﴿فَلِذَلِكَ فَادْعُ﴾ أي: فَلِلَّذي أوحينا إليك من الدين الذي وصّينا به جميعَ


(١١) - أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء برقم (٣٤٤٢، ٣٤٤٣)، ومسلم في كتاب الفضائل باب فضل عيسى برقم (٢٣٦٥) من حديث أبي هريرة.