للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قال: ﴿وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [أي: إنما ذلك من الدنيا] [١] الفانية الزائلة الحقيرة عند الله، أي: يعجل لهم بحسناتهم التي يعملونها [٢] في الدنيا مآكل ومشاربَ، ليوافوا الآخرة وليس لهم عند الله حسنة يجزيهم بها، كما ورد به الحديث الصحيح.

وورد في حديث آخر: "لو أن الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة، ما سقى منها كافرًا شَربة ماء". أسنده البغوي من رواية زكريا بن منظور، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد [٣]، عن النبي ، فذكره (١١).

ورواه الطبراني من طريق زَمعة بن صالح، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، عن النبي : "لو عَدَلت الدنيا جناح بعوضة، ما أعطى كافرًا منها شيئًا".

ثم قال: ﴿وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ أي: هي لهم خاصة لا يشاركهم فيها غيرهم؛ ولهذا لما قال عمر بن الخطاب (١٢) لرسول الله حين صَعد إليه في تلك المشرَبة لما آلى من نسائه، فرآه على رُمَال حصِير قد أثر بجنبه، فابتدرت عيناه بالبكاء، وقال: يا رسول الله؛ هذا كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت صفوة الله من خلقه. وكان رسول الله متكئًا فجلس وقال: "أوَ في شكٍّ أنت يا ابن الخطاب؟! " ثم قال: "أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا"، وفي رواية: "أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟! ".

وفي الصحيحين أيضًا وغيرهما (١٣) أن رسول الله قال: "لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها، فإنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة".

وإنما خولهم الله تعالى في الدنيا لحقارتها [] [٤]، كما روى الترمذي وابن ماجه (١٤)، من


(١١) - ومن طريق زكريا بن منظور رواه ابن ماجه (٤١١٠) والحاكم (٤/ ٣٠٦) وصحح إسناده الحاكم فتعقبه الذهبي بأن: "زكريا بن منظور ضعفوه" ورواه الطبراني في "الكبير" (٦/ ٥٩٢١) من طريق عبيد بن عقيل، عن زمعة بن صالح به، وزمعة ضعيف، وقد رواه الترمذي (٢٣٢٠) وأبو نعيم في "الحلية" (٣/ ٢٥٣) وغيرهما من طريق عبد الحميد بن سليمان، عن أبي حازم به. وقال الترمذي: "حديث صحيح غريب"!! وعبد الحميد بن سليمان ضعفوه، لكن الحديث يتقوى بهذه المتابعات لا سيما وأن له شواهدًا عن عدد من الصحابة ولذلك رقم به أبو عبد الرحمن الألباني حديث (٦٨٦) من "الصحيحة" فراجعه بشواهده.
(١٢) - رواه البخاري (٢٤٦٨) - وانظره بأطرافه عند رقم (٨٩) - ومسلم (١٤٧٩) وغيرهما.
(١٣) - رواه البخاري (٥٤٢٦)، ومسلم (٤) (٢٠٦٧) وغيرهما من حديث حذيفة.
(١٤) - تقدم تخريجه انظر رقم (١٥).