وقوله: ﴿وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ﴾، أي: مع هذا النعيم العظيم المقيم قَد وَقاهم، وسلمهم ونجاهم وزحزحهم من العذاب الأليم في دَركات الجحيم، فحصل لهم المطوب، ونجاهم من المرهوب، ولهذا قال: ﴿فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾، أي: إنما كان هذا بفضله عليهم وإحسانه إليهم، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله ﷺ أنه قال:"اعملوا وسددوا وقاربوا، واعلموا أن أحدًا لن يُدخِلَه عملُه الجنة". قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال:"ولا أنا، إلا أن يَتَغمّدني الله برحمة منه وفضل"(٣٢).
وقوله: ﴿فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾، أي: إنما يسرنا هذا القرآن الذي أنزلناه سهلًا واضحًا بينًا جليًّا بلسانك الذي هو أفصح اللغات وأجلاها وأحلاها وأعلاها ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾، أي [١]: يتفهمون ويعملون.
ثم لما كان مع هذا البيان والوضوح من الناس مَنْ كفر وخالف وعاند، قال الله تعالى لرسوله [مسليًا له وواعدًا][٢] له بالنصر، ومتوعدًا لمن كذبه بالعطب والهلاك: ﴿فَارْتَقِبْ﴾، أي: انتظر ﴿إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ﴾، أي: فسيعلمون [٣] لمن يكون النصر [٤] والظفر وعُلُوّ الكلمة في الدنيا والآخرة، فإنها لك يا محمد ولإخوانك من النبيين والمرسلين ومن اتبعكم من المؤمنين، كما قال تعالى: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَويٌّ عَزِيزٌ﴾، وقال تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (٥١) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾.
[آخر تفسير سورة الدخان. ولله الحمد والمنة، وبه التوفيق والعصمة][٥].