للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهذه الطرق الثلاث مُعَلّلة لرواية حماد بن سلمة فيما تفرد به من ذكر سعد بن معاذ. والصحيح أن حال نزول هذه الآية لم يكن سعد بن معاذ موجودًا، لأنه كان قد مات بعد بني قريظة بأيام قلائل [سنة خمس] [١]، وهذه الآية نزلت في وفد بني تميم، والوفود إنما تواتروا في سنة تسع من الهجرة، والله أعلم.

وقال ابن جرير: حدثنا أبو كريب، حدثنا زيد بن الحباب، حدثنا أبو ثابت بن ثابت بن قيس بن شَمَّاس، حدثني عمي إسماعيل بن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس، عن أبيه قال: لما نزلت هذه الآية: ﴿لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ﴾، قال: قعد ثابت بن قيس في الطريق يبكي، قال: فمر به عاصم بن عدي من بني العجلان فقال: ما يبكيك يا ثابت؟ قال: هذه الآية أتخوف أن تكون نزلت فيّ وأنا صَيِّتٌ رفيع الصوت. قال: فمضى عاصم بن عدي إلى رسول الله قال: وغلبه البكاء، فأتى امرأته جميلة ابنة [٢] عبد الله بن أبي بن سلول فقال لها: إذا دخلت بين فَرَسي فشدّي عَليّ الضبَّة بمسمار، فضربته بمسمار حتى إذا خرج عطفه، وقال: لا أخرج حتى يتوفاني الله ﷿ أو يرضى عني رسول الله . قال: وأتى عاصم رسولَ الله فأخبره خبره، فقال: "اذهب فادعه لي". فجاء عاصم إلى المكان فلم يجده، فجاء إلى أهله فوجده في بيت الفَرَس، فقال له: إن رسول الله يدعوك. فقال: اكسر الضبة. قال: فخرجا فأتيا النبي ، فقال له رسول الله : "ما يبكيك، يا ثابت؟ " فقال: أنا صيّت وأتخوف أن تكون هذه الآية نزلت فيّ: ﴿لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ﴾. فقال له النبي : "أما ترضى أن تَعيش حَميدًا، وتقتل شهيدًا، وتدخل الجنة؟ " فقال: رضيت ببشرى [٣] الله ورسوله ، ولا أرفع صوتي أبدًا على صوت رسول الله . قال: وأنزل الله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى﴾ الآية (١٦).


(١٦) - في إسناده إسماعيل بن محمد بن ثابت بن قيس بن الشماس؛ ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (٢/ ١٩٥) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا.
وأبو ثابت من ولد ثابت بن قيس بن شماس ذكره ابن أبي حاتم أيضًا في الجرح والتعديل (٩/ ٣٥١) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا وبقية رجاله ثقات.
والحديث أخرجه الطبري (٢٦/ ١١٨).