للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفي هذا نظر؛ بل الجواب هو مضمون الكلام بعد القسم، وهو إثبات النبوة، وإثبات المعاد، وتقريره وتحقيقه وإن لم يكن القسم مُتَلقًّى لفظًا، وهذا كثير في أقسام القرآن كما تقدم في قوله: ﴿ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (١) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ﴾ وهكذا قال هاهنا: ﴿ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (١) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَال الْكَافِرُونَ هَذَا شَيءٌ عَجِيبٌ﴾ أي: تعجبوا من إرسال رسول إليهم من البشر، كقوله تعالى: ﴿أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَينَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ﴾ أي: وليس هذا بعجيب فإن الله يصطفي من الملائكة رسلًا ومن الناس.

ثم قال مخبرًا عنهم في تعجبهم أيضًا من المعاد واستبعادهم لوقوعه [١]: ﴿أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ﴾ أي يقولون: أئذا متنا وبَلينا، وتقطعت الأوصال منا، وصرنا ترابًا كيف يمكن الرجوع بعد ذلك إلي هذه البنية والتركيب؟ ﴿ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ﴾ أي: بعيد الوقوع. ومعنى هذا أنهم يعتقدون استحالته وعدم إمكانه، قال الله تعالى رادًّا عليهم: ﴿قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ﴾ أي: ما تأكل من أجسادهم في البلي، نعلم [٢] ذلك ولا يخفى علينا أين تفرقت الأبدان، وأين ذهبت، وإلي أين صارت؟ ﴿وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ﴾ أي: حافظ لذلك، فالعلم شامل، والكتاب أيضًا فيه كل الأشياء مضبوطة.

قال العوفي، عن ابن عباس في قوله: ﴿قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ﴾ أي: ما تأكل من لحومهم وأبشارهم، وعظامهم وأشعارهم، وكذا قال مجاهد وقتادة والضحاك وغيرهم.

ثم بين تعالى سبب كفرهم وعنادهم واستبعادهم ما ليس ببعيد؛ فقال: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ﴾ أي: وهذا. حال كل من خرج عن الحق، مهما قال بعد ذلك فهو باطل. والمريج: المختلف المضطرب الملتبس المنكر [٣] خلاله، كقوله: ﴿إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (٨) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ﴾.

﴿أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيفَ بَنَينَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (٦) ﴿وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَينَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٧) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٨) وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ


[١]- في ز: بوقوعه.
[٢]- في ز: لعلم.
[٣]- في ز: منكر.