وقوله: ﴿ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَينَا يَسِيرٌ﴾ أي تلك إعادة سهلة علينا، يسيرة لدينا، كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَمْرُنَا إلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ﴾.
وقال تعالى: ﴿مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾.
وقوله: ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ﴾ أي: نحن علمنا محيط بما يقول لك المشركون من التكذيب فلا يهيدنك [١] ذلك، كقوله: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (٩٧) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (٩٨) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾.
وقوله: ﴿وَمَا أَنْتَ عَلَيهِمْ بِجَبَّارٍ﴾ أي: ولست بالذي تجبر هؤلاء على الهدى، وليس ذلك مما كلفت به.
وقال قتادة، ومجاهد، والضحاك: ﴿وَمَا أَنْتَ عَلَيهِمْ بِجَبَّارٍ﴾ أي: لا تتجبر عليهم. والقول الأول أولى، ولو أراد ما قالوه لقال: ولا تكن جبارًا عليهم، وإنما قال: ﴿وَمَا أَنْتَ عَلَيهِمْ بِجَبَّارٍ﴾، بمعنى: وما أنت بمجبرهم على الإيمان إنما أنت مبلغ.
قال الفراء: سمعت العرب تقول: جبر فلان فلانًا على كذا بمعنى أجبره.
ثم قال تعالى ﴿فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ﴾ أي: بلغ أنت رسالة ربك، فإنما يتذكر من يخاف الله ووعيده ويرجو وعده، كقوله: ﴿فَإِنَّمَا عَلَيكَ الْبَلَاغُ وَعَلَينَا الْحِسَابُ﴾، وقوله: ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١) لَسْتَ عَلَيهِمْ بِمُصَيطِرٍ﴾ ﴿لَيسَ عَلَيكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ ولهذا قال ها هنا: ﴿وَمَا أَنْتَ عَلَيهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ﴾. كان قتادة يقول: اللهم اجعلنا ممن يخاف وعيدك، [ويرجو موعودك][٢]، يا بار يا رحيم.
آخر تفسير سورة (ق)، والحمد لله وحده وحسبنا الله ونعم الوكيل".
* * *
(٥٢) أخرجه مسلم في كتاب الفضائل، باب: تفضيل نبينا ﷺ على جميع الخلائق، حديث (٢٢٧٨) (١٥/ ٥٤) بلفظ: "ينشق عنه القبر".