للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: من ولد صالح يدعو له، أو صدقة جارية من بعده، أو علم ينتفع به" (٨٣) فهذه الثلاثة في الحقيقة هي من سعيه وكده وعمله، كما جاء في الحديث: "إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه" (٨٤). والصدقة الجارية كالوقف ونحوه هي من آثار عمله ووقفه، وقد قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ﴾ … الآية. والعلم الذي نشره في الناس فاقتدى به الناس بعده، هو أيضًا من سعيه وعمله، وثبت في الصحيح: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه، من غير أن يَنقُص من أجورهم شيئًا" (٨٥)

وقوله: ﴿وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى﴾، أي: يوم القيامة كما قال تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾، أي: فيخبركم به، ويجزيكم عليه أتم الجزاء، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر. وهكذا [١] قال هاهنا: ﴿ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى﴾، أي: الأوفر.

﴿وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (٤٢) وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (٤٣) وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (٤٤) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَينِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (٤٥) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (٤٦) وَأَنَّ عَلَيهِ


(٨٣) - صحيح مسلم كتاب: الوصية، باب: ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، حديث (١٤/ ١٦٣١) (١١/ ١٢٢).
(٨٤) - أخرجه أبو داود في كتاب: البيوع، باب: في الرجل يأكل من مال ولده، حديث (٣٥٢٨، ٣٥٢٩) (٣/ ٢٨٨ - ٢٨٩). والترمذي في كتاب الأحكام، باب: ما جاء أن الوالد يأخذ من مال ولده، حديث (١٣٥٨) (٥/ ٣٩). والنسائي (٧/ ٢٤١) كتاب: البيوع، باب: الحث على الكسب. وابن ماجة في كتاب: التجارات، باب: ما للرجل من مال ولده، حديث (٢٢٩٠) (٢/ ٧٦٩). كلهم من طريق عمارة بن عمير، عن عمته، عن عائشة . وأخرجه النسائي (٧/ ٢٤١) كتاب: البيوع، باب: الحث على الكسب. وابن ماجة في كتاب: التجارات، باب: الحث على المكاسب، حديث (٢١٣٧) (٢/ ٧٢٣). وأحمد (٦/ ٤٢). كلهم من طريق الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة به. وصححه الشيخ الألباني في الإرواء برقم (١٦٢٦).
(٨٥) - أخرجه مسلم في كتاب: العلم، باب: من سن سنة حسنة أو سيئة، حديث (١٦/ ٢٦٧٤) (١٦/ ٣٤٧) من حديث أبي هريرة .