للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قال ابن جرير (٥٨٢): حدَّثنا ابن حميد، حدَّثنا جرير عن حصين بن عبد الرحمن، عن عمران -وهو ابن الحارث- قال: بينما [١] نحن عند ابن عباس إذ جاء رجل فقال له: من أين جئت؟ قال: من العراق. قال: من أيَه؟ قال: من الكوفة قال: فما الخبر؟ قال: تركتهم يتحدثون أن عليًّا خارج إليهم، ففزع ثم قال: ما تقول لا أبا لك؟ لو شعرنا ما نكحنا نساءه ولا قسمنا ميراثه، أما إني سأحدثكم عن ذلك، إنه كانت الشياطين يسترقون السمع من السماء، فيجيء أحدهم بكلمة حق قد سمعها، فإذا جُرِّب منه وصُدق كذب معها سبعين كذبة. قال: فَتَشْرَبُها قلوب الناس، قال: فأطلع الله عليها سليمان فدفنها تحت كرسيه، فلما توفي سليمان قام شيطانُ الطريق فقال: أفلا أدلكم على كنزه [٢] المُمَنَّع الذي لا كنز له مثله؟ تحت الكرسي. فأخرجوه، فقالوا: هذا سحره [٣] فتناسخها الأمم -حتى بقاياها ما يتحدث به أهل العراق- فأنزل الله ﷿: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا﴾. الآية.

وروى الحاكم في مستدركه، عن أبي زكريا العَنْبري، عن محمد بن عبد السلام، عن إسحاق بن إبراهيم، عن جرير، به (٥٨٣).

وقال السدي في قوله تعالى: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيمَانَ﴾ أي: على عهد سليمان، قال: كانت الشياطين تصعد إلى السماء، فتقعد منها مقاعد للسمع، فيستمعون من كلام الملائكة ما [٤] يكون في الأرض من موت، أو غيب، أو أمر، فيأتون الكهنة، فيخبرونهم، فَتُحَدِّثُ الكهنةُ الناسَ، فيجدونه كما قالوا، فلما [٥] أمنتهم الكهنة كذبوا لهم؛ وأدخلوا فيه غيره، فزادوا مع كل كلمة سبعين كلمة، فاكتتب الناسُ ذلك الحديث في الكتب، وفشا ذلك [٦] في بني إسرائيل أن الجن تعلم الغيب، فبعث سليمانُ في الناس فجمع تلك الكتب فجعلها في صندوق، ثم دفنها تحت كرسيه، ولم يكن أحد من الشياطين يستطيع أن يدنو من الكرسي إلا احترق. وقال: لا أسمع أحدًا يذكر أن الشياطين يعلمون الغيب إلا ضربتُ عنقه.

فلما مات سليمان، ، وذهبت العلماء الذين كانوا يعرفون أمر سليمان، وخلف من بعد ذلك خَلْف - تمثل الشيطان [٧] في صورة إنسان، ثم أتى نفرًا من بني إسرائيل، فقال لهم:


(٥٨٢) - تفسير ابن جرير برقم ١٦٦٢ - (٢/ ٤١٥).
(٥٨٣) - المستدرك (٢/ ٢٦٥).