للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان يقول الشعر الجيد الفائق الرائق في المدح والمرائي وقليل من الهجاء. وقرر بمدارس بصرى بمَبْرَك الناقة شمالي البلدة، حيث يزار، وهو المَبْرَك المشهور عند الناس! والله أعلم بصحة ذلك. ثمَّ انتقل إلى خطابة القرية شرقي بصرى، وتمذهب للشافعي، وأخذ عن النووي والشيخ تقي الدين الفزاري، وكان يكرمه ويحترمه، فيما أخبرني شيخنا العلامة ابن الزملكاني. فأقام بها نحوًا من ١٢ سنة، ثمَّ تحول إلى خطابة مجدل: القرية التي منها الوالدة. فأقام بها مدة طويلة، في خير وكفاية وتلاوة كثيرة. وكان يخطب جيدًا، وله مقول عند الناس، ولكلامه وقع؛ لديانته وفصاحته وحلاوته. وكان يؤثر الإقامة في البلاد، لما يرى فيها من الرفق ووجود الحلال له ولعياله. وقد ولد له عدة أولاد من الوالدة ومن أخرى قبلها. أكبرهم إسماعيل. ثمَّ يونس، وإدريس. ثمَّ من الوالدة: عبد الوهاب، وعبد العزيز، وأخوات عدة. ثمَّ أنا أصغرهم وسميت باسم الأخ إسماعيل - لأنه كان قد قدم دمشق، فاشتغل بها بعد أن حفظ القرآن على والده، وقرأ مقدمة في النحو، وحفظ التنبيه، وشرحه على العلامة تاج الدين الفزاري، وحصل المتتخب في أصول الفقه، قاله لي شيخنا ابن الزملكاني.

- ثمَّ إنه سقط من سطح الشامية البرانية، فمكث أيامًا ومات. فوجد الوالد عليه وجدًا كثيرًا، ورثاه بأبياتٍ كثيرة. فلما ولدت أنا له بعد ذلك سمانى باسمه. فأكبر أولاده: إسماعيل، وأصغرهم وآخرهم: إسماعيل، فرحم الله من سلف، وختم بخير لمن بقي.

توفي والدي في شهر جمادى الأولى سنة ٧٠٣ في قرية مجدل. ودفن بمقبرتها الشمالية عند الزيتون. وكنت إذ ذاك صغيرًا، ابن ثلاث سنين أو نحوها. لا أدركه إلا كالحلم. ثمَّ تحولنا من بعده في سنة ٧٠٧ إلى دمشق، صحبة كمال الدين عبد الوهاب، وقد كان لنا شقيقًا، وبنا رفيقًا شفوقًا، وقد تأخرت وفاته إلى سنة خمسين -يعني سنة ٧٥٠. فاشتغلت على يديه في العلم، فيسر الله تعالى منه ما يسر، وسهل منه ما تعسر".

وقد بدأ الاشتغال بالعلم على يدي أخيه عبد الوهاب -كما قال آنفًا- ثمَّ اجتهد في تحصيل العلوم على العلماء الكبار في عصره. وحفظ القرآن الكريم، وختم حفظه سنة ٧١١، كما صرح بذلك في تاريخه ١٤: ٣١٢ وقرأ بالقراءات، حتى عدَّه الداودي من القراء، وترجم له في طبقاتهم التي ألفها. وسمع الحديث من كثير من أئمة الحفاظ في عصره. وعني بالسماع والإكثار منه. فمما ذكر في تاريخه ١٤: ١٤٩، أنَّه سمع صحيح مسلم في تسعة مجالس على الشيخ نجم الدين بن العسقلاني، بقراءة الوزير العالم أبي القاسم محمَّد بن محمَّد بن سهل الأزدي الغرناطي

<<  <  ج: ص:  >  >>