قوله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيكُمْ جَمِيعًا﴾. وقوله: ﴿لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ وقوله إخبارًا عن القرآن: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ﴾، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على عموم بعثته -صلوات الله وسلامه عليه- إلى جميع الخلق، أحمرهم وأسودهم، وقد قدمنا تفسير ذلك في سورة الأنعام، بالآيات والأحاديث الصحيحة، ولله الحمد والمنة.
وهذه الآية هي مصداق إجابة الله لخليله [١] إبراهيم حين دعا لأهل مكة أن يبعث الله فيهم رسولًا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة. فبعثه الله ﷾، وله الحمد والمنة- على حين فترة من الرسل، وطُمُوس من السبل، وقد اشتدت الحاجة إليه، وقد مقت الله أهل الأرض عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب -أي: نزرًا يسيرًا-[ممن تمسك][٢] بما بعث الله به عيسى ابن مريم ﵇ ولهذا قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾. وذلك أن العرب كانوا متمسكين بدين إبراهيم ﵇ فبدلوه وغيروه، وقلبوه [٣] وخالفوه، واستبدلوا بالتوحيد شركًا، وباليقين شكًّا، وابتدعوا أشياء لم يأذن بها الله، وكذلك أهل الكتابين قد بدلوا كتبهم وحرفوها وغيروها [٤] وأولوها، فبعث الله محمدًا -صلوات الله وسلامه عليه- بشرع عظيم كامل شامل لجميع الخلق، فيه هدايتهم، والبيان لجميع ما يحتاجون إليه من أمر معاشهم ومعادهم، والدعوة لهم إلى ما يقربهم إلى الجنة، ورضا الله عنهم، والنهى عما يقربهم إلى النار وسخط الله، حاكم فاصل لجميع الشبهات والشكوك والريب في الأصول والفروع. وجَمَع له تعالى -وله الحمد والمنة- جميع المحاسن ممن كان قبله، وأعطاه ما لم يُعطِ أحدًا من الأولين، ولا يعطيه أحدًا من الآخرين، فصلوات الله وسلامه عليه إلى يوم الدين.
وقوله: ﴿وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ قال الإمام أبو عبد الله البخاري (٢)﵀:
حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثنا سليمان بن بلال، عن ثور، عن أبي الغَيث، عن أبي هريرة ﵁ قال: كنا جلوسًا عند النبي ﷺ فأنزلت عليه
(٢) - أخرجه البخاري في كتاب التفسير، باب: سورة الجمعة، حديث (٤٨٩٧) (٨/ ٦٤١) وطرفه في [٤٨٩٨]. ومسلم في كتاب: فضائل الصحابة، كتاب: في فضل فارس، حديث =