للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾، أي: جهدكم وطاقتكم. كما ثبت في الصحيحين (٩) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه".

وقد قال بعض المفسرين -كما رواه مالك عن زيد بن أسلم- إن هذه الآية العظيمة [١] ناسخة للتي في "آل عمران" وهي قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثني يحيى بن عبد الله بن بكير، حدثني ابن لهيعة، حدثني عطاء -هو ابن دينار-، عن سعيد بن جبير في قوله: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾، قال: لما نزلت هذه [٢] الآية اشتد على القوم العمل، فقاموا حتى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم، فأنزل الله تخفيفًا علي المسلمين: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾، فنسخت الآية الأولى.

وروي عن أبي العالية، وزيد بن أسلم، وقتادة، والربيع بن أنس، والسدي [٣] ومقاتل بن حيان نحو ذلك.

وقوله: ﴿وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا﴾، أي: كونوا منقادين لما يأمركم الله به ورسوله لا تحيدوا عنه يمنة ولا يسرة، ولا تقدموا بين يدي الله ورسوله، ولا تتخلفوا عما به [٤] أمرتم، ولا تركبوا ما عنه زُجرتم.

وقوله تعالى: ﴿وَأَنْفِقُوا خَيرًا لِأَنْفُسِكُمْ﴾، أي: وابذلوا مما رزقكم الله علي الأقارب والفقراء والمساكين وذوي الحاجات، وأحسنوا إلي خلق الله كما أحسن إليكم، يكن خيرًا لكم في الدنيا والآخرة، وإن لا تفعلوا يكن شرًّا لكم في الدنيا والآخرة.

وقوله: ﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾، تقدم تفسيره في "سورة الحشر" وذكر الأحاديث الواردة في معنى هذه الآية بما أغنى عن إعادته هاهنا ولله الحمد والمنة.

وقوله: ﴿إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾، أي: مهما أنفقتم من


(٩) - أخرجه البخاري في كتاب: الاعتصام، باب: الاقتداء بسنن رسول الله، ، حديث (٧٢٨٨) (١٣/ ٢٥١). ومسلم في كتاب الحج باب فرض الحج مرة في العمر حديث (٤١٢/ ١٣٣٧) (٩/ ١٤٤).