للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله تعالى الوحي الذي أنزله نورًا؛ لما يحصل به من الهدي، كما سماه روحًا؛ لما يحصل به من حياة القلوب، فقال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَينَا إِلَيكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [١].

وقوله: ﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا﴾. قد تقدم تفسير مثل هذا غير مَرّة، بما أغنى عن إعادته.

﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَينَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلْمًا (١٢)

يقول تعالى مخبرًا عن قدرته التامة وسلطانه العظيم، ليكون ذلك باعثًا على تعظيم ما شرع من الدين القويم: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾، كقوله إخبارًا عن نوح: إنه قال لقومه: ﴿أَلَمْ تَرَوْا كَيفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (١٥)﴾. وقال تعالى: ﴿تسبح له السماوات السبع [والأرض ومن فيهن] [٢]﴾.

وقوله: ﴿وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾، أي: سبعًا أيضًا، كما ثبت في الصحيحين (٣٧): " من ظلم قيدَ شِبر من الأرضِ طوّقه من سبع أرضين"، وفي صحيح البخاري (٣٨): " خُسِف به إلى سبع أرضين"، وقد ذَكرتُ طرقه وألفاظه وعزوه في أول "البداية والنهاية" عند ذكر خلق الأرض وللَّه الحمد والمنة.

ومن حمل ذلك علي سبعة أقاليم، فقد أبعد النّجعة، وأغرق في النزع [٣]، وخالف القرآن والحديث بلا مستند. وقد تقدم في "سورة الحديد" عند قوله: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ﴾ ذكر الأرضين السبع، وبعد ما بينهن، وكثافة كل واحدة منهن [خمسمائة عام] [٤]. وهكذا قال ابن مسعود وغيره، وكذا الحديث الآخر: "ما السماوات السبع وما


(٣٧) أخرجه البخاري في كتاب: الظالم، باب: إثم من ظلم شيئًا من الأرض، حديث (٢٤٥٣) (٥/ ١٠٣)، وطرفه في (٣١٩٥). ومسلم في كتاب: البيوع، باب: تحريم الظلم وغصب الأرض وغيرها، حديث (١٤٢/ ١٦١٢)، (١١/ ٧١) كلاهما من حديث عائشة وفي الصحيحين في نفس الموضع عن غيرها من الصحابة.
(٣٨) أخرجه البخاري في كتاب: بدء الخلق، باب: ما جاء في سبع أرضين، حديث (٣١٩٦) (٦/ ٢٩٢ - ٢٩٣).