للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رسول الله تلا هذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾، وعنده بعض أصحابه، وفيهم شيخ، فقال الشيخ: يا رسول الله، حجارة جهنم كحجارة الدنيا؟ فقال النبي : "والذي نفسي بيده، لَصَخرة من صخر جهنم أعظمُ من جبال الدنيا كلها". قال: فوقع الشيخُ مغشيًّا عليه، فوضع النبي يده على فؤاده [فإذا هُوَ حَيّ] [١] فناداه، قال [٢]: "يا شيخ، قل: لا إله إلا الله". فقالها، فبشره بالجنة، قال: فقال أصحابه: يا رسول الله، أمن بيننا؟ قال "نعم، يقول الله تعالى: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ﴾. هذا حديث مرسل غريب.

وقوله ﴿عَلَيهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ﴾، أي: طباعهم غليظة، قد نُزعت من قلوبهم الرحمة بالكافرين بالله، ﴿شِدَادٌ﴾ أي تركيبهم في غاية الشدة والكثافة والمنظر المزعج.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا سلمة بن شبيب، حدثنا إبراهيم بن الحكم بن أبان، حدثنا أبي، عن عكرمة أنه قال: إذا وصل أول أهل النار إلى النار، وجَدوا [٣] على الباب أربعمائة ألف من خَزنة جهنم، سود وجوههم، كالحة أنيابهم قد نزع الله من قلوبهم الرحمة ليس في قلب واحد منهم مثقال ذَرّة من الرحمة، لو طُيّر الطير من منكب أحدهم لطار شهرين قبل أن يبلغ منكبه الآخر، ثم يجدون على الباب التسعة عشر، عرض صدر أحدهم سبعون خريفًا، ثم يهوون من باب إلى باب خمسمائة سنة، ثم يجدون على كل باب منها مثل ما وجدوا على الباب الأول، حتى ينتهوا إلى آخرها.

وقوله: ﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾، أي: مهما أمرهم به تعالى يبادروا إليه، لا يتأخرون عنه طرفة عين، وهم قادرون على فعله [٤] ليس بهم عجز عنه، وهؤلاء هم الزبانية -عياذًا بالله منهم-. وقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾، أي: يقال للكفرة يوم القيامة: لا تعتذروا فإنه لا يقبل منكم، وإنما تجزون اليوم بأعمالكم.

ثم قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا﴾، أي: توبة صادقة جازمة، تمحو ما قبلها من السيئات وتلم شعث التائب وتجمعه، وتكفه عما كان يتعاطاه من الدناءات.

قال ابن جرير (٣٣): حدثنا ابن مثنى، حدثنا محمد، حدثنا شعبة، عن سمَاك بن حَرب،


(٣٣) تفسير الطبري (٢٨/ ١٦٧).