للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نكاح الرجل امرأته أو أمته في دبرها، وذلك مما حرم الله ورسوله، ويمقت الله عليه ورسوله. ومنها نكاح الرجل الرجل، وذلك مما حرم الله ورسوله، ويمقت الله عليه ورسوله. ومنها نكاح المرأة المرأة، وذلك مما حرم الله ورسوله، ويمقت الله عليه ورسوله. وليس لهؤلاء صلاة ما أقاموا على هذا، حتى يتوبوا إلى الله توبة نصوحًا. قال زر: فقلت لأبيّ بن كعب: فما التوبة النصوح؟ فقال: سألت عن ذلك رسول الله فقال: "هو الندم على الذنب حينَ يَفرُط منك، فتستغفرُ الله بندامتك منه [١] عند الحاضر، ثم لا تعود إليه أبدًا".

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عمرو بن علي، حدثنا عباد بن عمرو [٢]، حدثنا أبو عمرو بن العلاء، سمعت الحسن يقول التوبة النصوح: أن تُبَغِض الذنب كما أحببته، وتستغفر منه إذا ذكرته.

فأما إذا جَزَم بالتوبة وصمم عليها فإنها تَجُبّ ما قبلها من الخطيئات، كما ثبت في الصحيح (٣٦): " الإسلام يجُب ما قبله، والتوبة تجب ما قبلها".

وهل من شرط التوبة النصوح الاستمرارُ على ذلك إلى الممات، كما تقدم في الحديث وفي الأثر: "لا يعود فيه أبدًا"، أو يكفي العزم على أن لا يعود في تكفير الماضي، بحيث لو وقع منه ذلك الذنب بعد ذلك لا يكون ذلك ضارًّا في تكفير ما تقدم، لعموم قوله : "التوبة تجب ما قبلها"؟ وللأول أن يحتج بما ثبت في الصحيح (٣٧) أيضًا: "من أحسنَ في الإسلام لم يؤاخَذ بما عمل في الجاهلية، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر" فإذا كان هذَا في الإسلام الذي هو أقوى من التوبة، فالتوبة بطريق الأولى، والله أعلم.

وقوله: ﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا


(٣٦) صحيح مسلم، كتاب: الإيمان، باب: كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الهجرة والحج، حديث (١٩٢ - ١٢١) (٢/ ١٧٩ - ١٨١) من حديث عمرو بن العاص بلفظ: "أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله؛ وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها وأن الحج يهدم ما كان قبله؟ ".
(٣٧) صحيح مسلم في كتاب: الإيمان، باب: هل يؤاخذ بأعمال الجاهلية، حديث (١٢٠) (٢/ ١٧٨). قال الإمام النووي: وأما معنى الحديث فالصحيح فيه ما قاله جماعة من المحققين: أن المراد بالإحسان في الإسلام هنا: الدخول في الإسلام كالظاهر والباطن جميعًا، وأن يكون مسلمًا حقيقيًّا، فهذا يغفر له ما سلف في الكفر بنص القرآن العزيز والحديث الصحيح: الإسلام يهد ما قبله، وبإجماع المسلمين والمراد بالإساءة عدم الدخول في الإسلام لقلبه؛ بل يكون منقادًا في الظاهر مظهرًا للشهادتين غير معتقد الإسلام بقلبه فهذا منافق باق على كفره بإجماع المسلمين؛ فيؤاخذ بما عمل في الجاهلية قبل إظهار صورة الإسلام، وبما عمل بعد إظهارها؛ لأنه مستمر على كفره، وهذا معروف في استعمال الشرع، يقولون: حسن إسلام فلان إذا دخل فيه حقيقة بإخلاص، وساء إسلامه أو لم يحسن إسلامه إذا لم يكن كذلك. والله أعلم. ا هـ.