للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والقتال، وهؤلاء بإقامة الحدود عليهم، ﴿وَاغْلُظْ عَلَيهِمْ﴾، أي: في الدنيا، ﴿وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾، أي: في الآخرة.

ثم قال: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾، أي: في مخالطتهم المسلمين ومعاشرتهم لهم، أن ذلك لا يجدي عنهم شيئًا ولا ينفعهم عند الله، إن لم يكن الإيمان حاصلًا في قلوبهم، ثم ذكر المثل فقال: ﴿امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَينِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَينِ﴾، أي: نبيين رسولين عندهما في صحبتهما ليلًا ونهارًا، يؤاكلانهما ويضاجعاتهما ويعاشرانهما أشد العشرة والاختلاط، ﴿فَخَانَتَاهُمَا﴾ أي: في الإيمان، لم يوافقاهما على الإيمان، ولا صدقاهما في الرسالة، فلم يُجْد ذلك كلّ شيئًا، ولا دفع عنهما محذورًا؛ ولهذا قال: ﴿فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيئًا﴾ أي لكفرهما [١]، ﴿وَقِيلَ﴾ أي: للمرأتين ﴿ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾.

وليس المراد ﴿فَخَانَتَاهُمَا﴾ في فاحشة، بل في الدين، فإن نساء الأنبياء معصوماتٌ عن الوقوع في الفاحشة، لحرمة الأنبياء، كما قدمنا في سورة النور.

قال سفيان الثوري (٤٠) عن موسى بن أبي عائشة، عن سليمان بن قتة: سمعتُ ابن عباس يقولُ في هذه الآية: ﴿فَخَانَتَاهُمَا﴾ قال: ما زنتا، أما امرأة نوح فكانت تخبر أنه مجنون، وأما خيانة امرأة لوط فكانت تدل قومها على أضيافه.

وقال العَوفي (٤١): عن ابن عباس قال: كانت خيانتهما أنهما كانتا على عَورتيهما، فكانت امرأة نُوح تَطلع على سر نوح، فإذا آمن مع نوح أحد أخبرت الجبابرة من قوم نوح به، وأما امرأة لوط فكانت إذا أضاف لوط أحدًا أخبرت به أهل المدينة ممن يعمل السوء.

وهكذا قال عكرمة، وسعيد بن جبير، والضحاك، وغيرهم.

وقد استدل بهذه الآية الكريمة بعضُ العلماء علي ضعف الحديث الذي يأثره كثير من الناس: "من أكل مع مغفور له غفر له" (٤٢). وهذا الحديث لا أصل له، وإنما [٢] يروى هذا عن بعض الصالحين أنه رأى النبي في المنام فقال: يا رسول الله؛ أنت قلت: من أكل مع مغفور له [غفر له] [٣]؟ قال: لا، ولكني الآن أقوله.


(٤٠) تفسير الطبري (٢٨/ ١٦٩ - ١٧٠).
(٤١) تفسير الطبري (٢٨/ ١٧٠).
(٤٢) موضوع، انظر الأسرار المرفوعة (٣٣١، ٤٩٦) والمقاصد الحسنة للسخاوي. وقال الألباني في الضعيفة (٣١٥): كذب لا أصل له. ونقل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية أنه قال: هذا ليس له إسناد عند=