للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: ﴿عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾، أي: علم أن سيكون من هذه الأمة ذوو أعذار في ترك قيام الليل، من مرضى لا يستطيعون ذلك، ومسافرين في الأرض يبتغون من فضل اللَّه في المكاسب والمتاجر، وآخرين مشغولين بما هو الأهم في حقهم من الغزو في سبيل اللَّه، وهذه الآية -بل السورة كلها- مكية، ولم يكن القتال شُرع بَعدُ، فهي من أكبر دلائل النبوة، لأنه من باب الإِخبار [١] بالمغيبات المستقبلة؛ ولهذا قال: ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ﴾، أي: قوموا بما [٢] تيسر عليكم منه.

قال ابن جرير (٢٧): حدثنا يعقوب، حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء -محمد- قال: قلت للحسن: يا أبا سعيد، ما تقول في رجل قد استظهر القرآن كله عن ظهر قلبه، ولا يقوم به، إنما يصلي المكتوبة؟ قال: يتوسَّد القرآن، لعن اللَّه ذاك، قال اللَّه تعالى للعبد الصالح: ﴿وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ﴾، ﴿وَعُلِّمْتُمْ [٣] مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ﴾. قلت: يا أبا سعيد، قال اللَّه: ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ﴾ قال: نعم، ولو خمس آيات.

وهذا ظاهر من مذهب الحسن البصري، أنه كان يرى حقًّا واجبًا على حَمَلة القرآن أن يقوموا ولو بشيء منه في الليل؛ ولهذا جاء في الحديث: أن رسول اللَّه سُئل عن رجل نام حتى أصبح، فقال: "ذاك رجل بال الشيطان في أذنه" (٢٨). فقيل: معناه: نام عن المكتوبة. وقيل: عن قيام الليل، وفي السنن: "أوتِرُوا، أهل القرآن" (٢٩). وفي الحديث الآخر: "من لم يوتر فليس منا" (٣٠).


(٢٧) أخرجه الطبري (٢٩/ ١٤١).
(٢٨) أخرجه البخاري في كتاب: التهجد، كتاب: إذا نام ولم يصل بال الشيطان في أذنه، حديث (١١٤٤) (٣/ ٢٨)، وطرفه في [٣٢٧٠]. ومسلم في كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، كتاب: ما روى فيمن نام الليل أجمع حتى أصبح، حديث (٢٠٥/ ٧٧٤) (٦/ ٩١).
(٢٩) أخرجه أبو داود في كتاب: الصلاة، باب: استحباب الوتر، حديث (١٤١٦) (٢/ ٦١). والترمذي في كتاب: الوتر، باب: ما جاء أن الوتر ليس بحتم، حديث (٤٥٣) (٢/ ١٠٣). والنسائي (٣/ ٢٢٨ - ٢٢٩) كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب: الأمر بالوتر. وابن ماجة في كتاب: الإقامة، كتاب: ما جاء في الوتر، حديث (١١٦٩) (١/ ٣٧٠). كلهم من حديث علي بن أبي طالب . قال الترمذي: وفي الباب عن ابن عمر وابن مسعود وابن عباس. ثم قال: حديث علي حديث حسن. وصححه الألباني في صحيح أبي داود (١٢٥٦).
(٣٠) أخرجه أحمد (٥/ ٣٥٧) (٢٣١٢٥). وأبو داود في كتاب: الصلاة، باب: فيمن لم يوتر، حديث (١٤١٩) (٢/ ٦٢). كلهم من حديث بريدة. وصححه الحاكم (١/ ٣٠٥ - ٣٠٦) وقال: أبو المنيب العتكي مروزي ثقة يجمع حديثه، ولم يخرجاه. وتعقبه الذهبي بأن البخاري قال: عنده مناكير. =