للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقول تعالى ممتنًّا على رسوله بما نَزله [١] عليه من القرآن العظيم تنزيلا: ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾، أي: كما أكرمتُكَ بما أنزلتُ عليك، فاصبر على قضائه وقَدَره، واعلم أنه سيدبرك بحسن تدبيره، ﴿وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا﴾ أي: لا تطع الكافرين والمنافقين إن أرادوا صدّك عما أنزل إليك، بل بَلغ ما أنزل إليك من ربك، وتوكل على الله؛ فإن الله يعصمك من الناس. فالآثم هو الفاجر في أفعاله، والكفور هو الكافر بقلبه.

﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾، أي: أولَ النهار وآخره. ﴿وَمِنَ اللَّيلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيلًا طَويلًا﴾.

كقوله: ﴿وَمِنَ اللَّيلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾.

وكقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) قُمِ اللَّيلَ إلا قَلِيلًا (٢) نِصْفَهُ أَو انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (٣) أَوْ زِدْ عَلَيهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾.

ثم قال تعالى منكرًا على الكفار ومن أشبههم في حُب الدنيا والأقبال عليها والانصباب إليها، وتركِ الدار الآخرة وراء ظهررهم: ﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا﴾، يعني يوم القيامة.

ثم قال: ﴿نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ﴾ قال ابن عباس، ومجاهد، وغير واحد: يعني خَلْقَهم.

﴿وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالهُمْ تَبْدِيلًا﴾، أي: وإذا شئنا بعثناهم يوم القيامة، وبدَلناهم فأعدناهم خلقًا جديدًا. وهذا استدلال بالبداءة على الرجعة.

وقال ابن [٢] زيد، وابن جرير: ﴿وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالهُمْ تَبْدِيلًا﴾: وإذا شئنا أتينا بقوم آخرين غيرهم. [كقوله: ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا﴾.] [٣]

وكقوله: ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٦) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ﴾.

ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ هَذِهِ﴾ -يعني هذه السورة ﴿تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا﴾، أي: طريقًا ومسلكًا، أي: من شاء اهتدى بالقرآن كقوله: ﴿وَمَاذَا عَلَيهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا﴾.

ثم قال: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ أي: لا يقدر أحد أن يهديَ نفسه، ولا


[١]- في ز: أنزله.
[٢]- في ز: أبو.
[٣]- سقط من ز، خ.