للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْجِبَال أَرْسَاهَا (٣٢) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (٣٣)

يقول تعالى محتجًا على منكري البعث في إعادة الخلق بعد بدئه: ﴿أَأَنْتُمْ﴾ أيها الناس ﴿أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ﴾ يعني بل السماءُ أشدّ خلقًا منكم، كما قال تعالى: ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ﴾، وقال: ﴿أَوَلَيسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ﴾. فقوله: ﴿بَنَاهَا﴾ فسره بقوله: ﴿رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا﴾، أي: جعلها عالية البناء، بعيدة الفناء، مستوية الأرجاء، مكللة بالكواكب في الليلة الظلماء.

وقوله: ﴿وَأَغْطَشَ لَيلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا﴾، أي: جعل ليلها مظلمًا أسود حالكًا، ونهارها مضيئًا مشرقًا نيرًا واضحًا.

قال ابن عباس: أغطش ليلها: أظلمه. وكذا قال مجاهد وعكرمة، وسعيد بن جبير وجماعة كثيرون.

﴿وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا﴾، أي: أنار نهارها.

وقوله: ﴿وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا﴾ فسره بقوله: ﴿أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا﴾، وقد تقدم في سورة "حم السجدة" أن الأرض خلقت قبل السماء، ولكن إنما دُحيت بعد خلق السماء، بمعنى أنه أخرج ما كان فيها بالقوة إلى الفعل. وهذا معنى قول ابن عباس، وغير واحد، واختاره ابن جرير.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي، حدثنا عبيد الله -يعني ابن عَمرو [١]- عن زيد بن أبي أنيسة، عن المنهال بن عَمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: ﴿دَحَاهَا﴾: وَدَحْيها أن أخرج منها الماء والمرعى، وشقق الأنهار، وجعل فيها الجبال والرمال والسبل والآكام، فذلك قوله: ﴿وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا﴾. وقد تقدم تقرير ذلك هنالك.

وقوله: ﴿وَالْجِبَال أَرْسَاهَا﴾، أي: قررها وأثبتها [٢] وأكَّدها في أماكنها، وهو الحكيم العليم: الرءوف بخلقه الرحيم.

قال الإمام أحمد (٣): حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا العوام بن حوشب، عن سليمان بن أبي


(٣) المسند (٣/ ١٢٤) (١٢٢٧٤). وسليمان بن أبي سلمان لم يوثقه غير ابن حبان، وقال الحافظ في التقريب "مقبول" وباقي رجاله ثقات رجال الصحيح. والحديث رواه الترمذي في التفسير ٣٣٦٩ عن =