للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقول تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى﴾، وهو يوم القيامة. قاله ابن عباس، سميت بذلك لأنها تَطمّ على كل أمرٍ هائل مفظع، كما قال تعالى: ﴿وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ﴾.

﴿يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى﴾، أي: حينئذٍ يتذكرُ ابنُ آدم جميع عمله [١] خيره وشره، كما قال: ﴿يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى﴾. ﴿وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى﴾، أي: أظهرت للناظرين فرآها الناس عيانًا. ﴿فَأَمَّا مَنْ طَغَى﴾، أي: تَمَرّد وعتا، ﴿وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾، أي: قدمها على أمر دينه وأخراه، ﴿فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى﴾، أي: فإن مصيرَه إلى الجحيم، وإن مطعمه من الزقوم ومشربه من الحميم. ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى﴾، أي: خاف القيامَ بين يدي الله ﷿ وحكمَ الله فيه، ونهى نفسه عن هواها، ورَدّها إلى طاعة مولاها، ﴿فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ أي: منقلبه ومصيره ومرجعه إلى الجنة الفيحاء.

ثم قال تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (٤٢) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (٤٣) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا﴾، أي: ليس علمها إليك ولا إلى أحد من الخلق، بل مَرَدّها ومَرجعها إلى الله ﷿ فهو الذي يعلم وقتها على التعيين؛ ﴿ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إلا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ﴾. وقال هاهنا: ﴿إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا﴾ ولهذا [٢] لما سأل جبريلُ رسولَ الله عن وقت الساعة قال: "ما المسئول عنها بأعلم من السائل".

وقوله: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا﴾، أي: إنما بعثتك لتنذر الناس وتحذرهم من بأس الله وعذابه، فمن خشي الله وخاف مقامه ووعيده، اتبعك فأفلح وأنجح، والخيبة والخسار على من كذبك وخالفك.

وقوله: ﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إلا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا﴾، أي: إذا قاموا من قبورهم إلى المحشر يستقصرون مُدّة الحياة الدنيا، حتى كأنها عندهم كانت عشية من يوم أو ضُحى من يوم.

قال جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس: ﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إلا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا﴾، أما عَشِيَّة فما بين الظهر إلى غروب الشمس، ﴿أَوْ ضُحَاهَا﴾، ما بين طلوع الشمس إلى نصف النهار.

وقال قتادة: وقت الدنيا في أعين القوم حين عاينوا الآخرة.

[آخر تفسير سورة النازعات ولله الحمد والمنة].


[١]- سقط من ز، خ.
[٢]- في ز: وهذا.