للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْجِبَالِ كَيفَ نُصِبَتْ (١٩) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيفَ سُطِحَتْ (٢٠) فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١) لَسْتَ عَلَيهِمْ بِمُصَيطِرٍ (٢٢) إلا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (٢٣) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ (٢٤) إِنَّ إِلَينَا إِيَابَهُمْ (٢٥) ثُمَّ إِنَّ عَلَينَا حِسَابَهُمْ (٢٦)

يقول تعالى آمرًا عباده بالنظر في مخلوقاته الدالة على قدرته وعظمته: ﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيفَ خُلِقَتْ﴾، فإنها خلق عجيب، وتركيبها غريب، فإنها في غاية القوة والشدة، وهي مع ذلك تلين للحمل الثقيل، وتنقاد للقائد الضعيف، وتؤكل، وينتفع بوبرها، ويشرب لبنها. ونبهوا بذلك لأن العرب غالب دوابهم كانت الإبل، وكان شريح القاضي يقول: اخرجوا بنا حتى ننظر إلى الإبل كيف خلقت، وإلى السماء كيف رفعت؟ أي: كيف رفعها الله ﷿ عن الأرض هذا الرفع العظيم، كما قال تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيفَ بَنَينَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ﴾.

﴿وَإِلَى الْجِبَالِ كَيفَ نُصِبَتْ﴾، أي: جعلت منصوبة قائمة ثابتة راسية لئلا تميد الأرض بأهلها، وجعل فيها ما جعل من المنافع والمعادن.

﴿وَإِلَى الْأَرْضِ كَيفَ سُطِحَتْ﴾، أي: كيف بسطت ومدت ومهدت، فنبَّه البدوي على الاستدلال بما يشاهده من بعيره الذي هو راكب عليه، والسماء التي فوق رأسه، والجبل الذي تجاهه، والأرض التي تحته على قدرة خالق ذلك وصانعه، وأنه الرب العظيم الخالق المتصرف المالك [١]، وأنه الإله الذي لا يستحق العبادة سواه. وهكذا أقسم "ضمام" في سؤاله على رسول الله كما رواه الإِمام أحمد (١٠) حيث قال:

حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس قال: كنا نهينا أن نسأل رسول الله عن شيء، فكان [٢] يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع، فجاء رجل من أهل البادية فقال: يا محمد، إنه أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك؟ قال: "صدق". قال: فمن خلق السماء؟ قال: "الله". قال: فمن خلق الأرض؟ قال: "الله". قال: فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل؟ قال: "الله". قال: فبالذي خلق السماء والأرض ونصب هذه الجبال، آلله أرسلك؟ قال: "نعم". قال: وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا؟ قال: "صدق". قال: فبالذي أرسلك، آلله أمرك بهذا؟ قال: "نعم". قال: وزعم رسولك أن علينا زكاة في أموالنا؟ قال: "صدق". قال: فبالذي أرسلك، آللَّه أمرك


(١٠) المسند (٣/ ١٤٣) (١٢٤٧٩) وهو مروى بالمعنى.