للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عبد الله على أبي الدرداء، فطلبهم فوجدهم، فقال: أيكم يقرأ على قراءة عبد الله؟ قالوا: كلنا، قال: أيكم أحفظ؟ فأشاروا إلى علقمة، فقال: كيف سمعته يقرأ: ﴿وَاللَّيلِ إِذَا يَغْشَى﴾ قال (والذكر والأنثى) قال: أشهد أني سمعت رسول إله يقرأ هكذا. وهؤلاء يريدون [١] أن أقرأ: ﴿وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى﴾ والله لا أتابعهم.

هذا لفظ البخاري: هكذا قرأ ذلك ابن مسعود، وأبو الدرداء - ورفعه أبو الدرداء - وأما الجمهور فقرءوا ذلك كما هو مُثَبت في المصحف الإمام العثماني في سائر الآفاق: ﴿وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى﴾، فأقسم تعالى ﴿وَاللَّيلِ إِذَا يَغْشَى﴾، أي: إذا غَشيَ الخليقة بظلامه، ﴿وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى﴾، أي: بضيائه وإشراقه، ﴿وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى﴾، كقوله: ﴿وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا﴾ وكقوله: ﴿وَمِنْ كُلِّ شَيءٍ خَلَقْنَا زَوْجَينِ﴾.

ولما كان القسم بهذه الأشياء المتضادة كان المقسم [٢] عليه أيضًا متضادًا، ولهذا قال: ﴿إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى﴾، أي: أعمال العباد التي اكتسبوها متضادة أيضًا ومتخالفة، فمن فاعل خيرًا ومن فاعلٍ شرًّا، قال الله تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى [وَاتَّقَى﴾ أي: أعطى] [٣] ما أمر بإخراجه، وأتقى الله في أموره، ﴿وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾، أي: بالمجازاة على ذلك قاله قتادة. وقال خُصَيف: بالثواب. وقال ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وأبو صالح، وزيد بن أسلم: ﴿وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾ أي: بالخلف. وقال أبو عبد الرحمن السلمي، والضحاك: ﴿وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾] [٤] أي: بلا إله إلا الله. وفي رواية عن عكرمة ﴿وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾، أي: بما أنعم الله عليه. وفي رواية عن زيد بن أسلم: ﴿وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾، قال: الصلاة والزكاة والصوم. وقال مرة: وصدقة الفطر.

وقال ابن أبي حاتم (٣): حدثنا أبو زرعة، حدثنا صفوان بن صالح الدمشقي، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا زهير بن محمد، حدثني مَن سَمع أبا العالية الرياحي يحدث عن أبي بن كعب قال: سألت رسول الله عن الحسنى قال: "الحسنى: الجنة".

وقوله: ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ - قال ابن عباس: دعني للخير. وقال زيد بن أسلم: يعني: للجنة.

وقال بعض السلف: من ثواب الحسنة الحسنة بعدها. ومن جزاء السيئة السيئة بعدها. ولهذا قال تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ﴾، أي: بما عنده، ﴿وَاسْتَغْنَى﴾، قال عكرمة، عن


= ابن حجر في الفتح (٨/ ٧٠٧): هذا صورته الإرسال لأن إبراهيم ما حضر القصة.
(٣) تقدم في سورة يونس، آية: (٢٦).