للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نعم، لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا.

ثم [١] لم ينشب ورقة أن توفي، وفتر الوحي فترة حتى حزن رسول الله فيما بلغنا - حزنًا غدا منه [٢] مرارًا كي يتردى من رءوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي [٣] يلقي نفسه منه، تبدى له جبريل فقال له [٤]: يا محمد؛ إنك رسول الله حقًّا. فيسكن بذلك جأشه، وتقر نفسه فيرجع. فإذا طالت عليه كرة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل، فقال له مثل ذلك.

وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من حديث الزهري، وقد تكلمنا على هذا الحديث من جهة سنده ومتنه ومعانيه في أول شرحنا للبخاري مستقصى، فمن [٥] أراده فهو هناك محرر [٦]، ولله الحمد والمنة.

فأول شيء نزل [٧] من القرآن هذه الآيات الكريمات المباركات [٨]، وهن أول رحمة رحم الله بها العباد، وأول نعمة أنعم الله بها عليهم. وفيها التنبيه على ابتداء خلق الإنسان من علقة، وأن من كرمه تعالى أن علم الإِنسان ما لم يعلم، فشرفه وكرمه بالعلم، وَهو القدر الذي امتاز به أبو البرية آدم على الملائكة، والعلم تارة يكون في الأذهان، وتارة يكون في اللسان، وتارة يكون في الكتابة بالبنان، ذهني ولفظي ورسمي، والرسمي يستلزمهما من غير عكس، فلهذا: قال ﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾. وفي الأثر (٢): قيدوا العدم بالكتابة وفيه أيضًا (٣): " من عمل بما عدم رزقه الله عدم ما لم يكن يعلم [٩] ".


= (١/ ٢٣). وأطرافه في [٣٣٩٢، ٤٩٥٣، ٤٩٥٦، ٤٩٥٧، ٦٩٨٢]. ومسلم في كتاب: الإيمان، كتاب: بدء الوحي إلى رسول الله حديث (١٦٠) (٢٥٩١٢) وما بعدها.
(٢) أخرجه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (٣٩٥). وأبو نعيم في أخبار أصبهان (٢/ ٢٢٨)، والقضاعي في مسند الشهاب (١/ ٣٧٠) (٦٣٧) كلهم من حديث أنس مرفوعًا. وفد روى موقوفًا ومرفوعًا. وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وعبد الله بن عباس. وقد حسنه الألباني في الصحيحة (٢٠٢٦) وذكر فيه بحثًا مطولًا فليراجعه من شاء.
(٣) أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (١٠/ ١٤ - ١٥) بنحوه. وحكم الألباني بوضعه في الضعيفة (٤٢٢).