للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفعل الآخرون مثل ذلك، فأنزل الله: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (١) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (٢)﴾، لقد كان لكم فيما رأيتم عبرة وشغل.

وقال قتادة: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (١) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (٢)﴾ كانوا يقولون: نحن أكثر من بني فلان، ونحن أعَدّ من بني فلان وهم كل يوم يتساقطون [١] إلي آخرهم، والله ما زالوا كذلك حتى صاروا من أهل القبور كلهم.

والصحيح أن المراد بقوله: ﴿زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ﴾، أي: صرتم إليها ودفنتم فيها، كما جاء في الصحيح (٨)؛ أن رسول الله دخل علي رجل من الأعراب يعوده، فقال: "لا باس، طَهُور إن شاء الله". فقال: قلت: طَهُور؟! بل هي حمى تفور، علي شيخ كبير، تُزيره القبور!. قال: "فَنَعَم إذًا".

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا محمد بن سعيد الأصبهاني، أخبرنا حكام بن سَلم [٢] الرازي، عن عمرو بن أبي قيس، عن الحجاج، عن المنهال، عن زر بن حبيش، عن علي قال: ما زلنا نشك في عذاب القبر حتى نزلت: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (١) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (٢)﴾.

ورواه الترمذي (٩) عن أبي كريب، عن حكام بن سلم، به [٣] وقال: غريب.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا سلمة بن داود العُرْضي [٤]، حدثنا أبو المليح الرقي، عن ميمون بن مهران؛ قال: كنت جالسًا عند عمر بن عبد العزيز، فقرأ: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (١) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (٢)﴾، فلبث [٥] هنيهة [٦] فقال: يا ميمون؛ ما أرى المقابر إلا زيارة، وما للزائر بد من أن يرجع إلى منزله.

قال أبو محمد: يعني أن يرجع إلى منزله إلى جنة أو إلى [٧] نار، وهكذا ذُكرَ أن بعضَ الأعراب سمع رجلًا يتلو [٨] هذه الآية ﴿حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ﴾، فقال: بُعث اليوم ورَبّ الكعبة. أي: إن الزائر سيرحل من مقامه ذلك إلي غيره.


(٨) صحيح البخاري، كتاب: المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام، حديث (٣٦١٦) (٦/ ٦٢٤). وأطرافه في: [٥٦٥٦، ٥٦٦٢، ٧٤٧٠].
(٩) سنن الترمذي، كتاب: تفسير القرآن، باب: ومن سورة ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ﴾، حديث (٣٣٥٢) (٩/ ٨١ - ٨٢).