للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ﴾، ولهذا قال: ﴿لإِيلَافِ قُرَيشٍ (١) إِيلَافِهِمْ﴾، بدل من الأول ومفسر له؛ ولهذا قال: ﴿لإِيلَافِ قُرَيشٍ (١) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيفِ﴾.

وقال ابن جرير: الصواب أن اللام لامُ التعجب، كأنه يقول: اعجبوا لإيلاف قريش [ونعمتي عليهم] [١] في ذلك. قال: وذلك لإجماع المسلمين علي أنهما سورتان منفصلتان مستقلتان.

ثم أرشدهم إلى شكر هذه النعمة العظيمة فقال: ﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيتِ﴾، أي: فليوحدوه بالعبادة، كما جعل لهم حرمًا آمنا وبيتًا محرمًا [٢]، كما قال تعالى: ﴿إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾.

وقوله: ﴿الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ﴾، أي: هو رب البيت، وهو الذي أطعمهم من جوع، ﴿وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾، أي: تفضل عليهم بالأمن والرخص، فليفردوه بالعبادة وحده لا شريك له، ولا يعبدوا من دونه صنمًا ولا ندًّا ولا وثنًا؛ ولهذا [٣] من استجاب لهذا الأمر [٤] جمع الله له بين أمن الدنيا وأمن الآخرة، ومن عصاه سلبهما منه، كما قال تعالى: ﴿وَ [٥] ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (١١٢) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ﴾.

وقد قال ابن أبي حاتم (٢): حدثنا عبد الله بن عمرو العدني، حدثنا قبيصة، حدثنا سفيان، عن ليث، عن شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد؛ قالت: سمعت رسول الله يقول: "ويل أمكم [٦] قريش لإيلاف قريش". ثم قال: حدثنا أبي، حدثنا المؤمل بن الفضل الحراني، حدثنا عيسى -يعني ابن يونس- عن عبيد الله بن أبي زياد، عن شهر بن حوشب، عن أسامة بن زيد؛ قال: سمعت رسول الله يقول: "لإِيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف، ويحكم يا معشر قريش؛ اعبدوا رب هذا


(٢) مسند أحمد (٦/ ٤٦٠) (٢٧٧١٥) من طريق شهر بنحوه. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (٧/ ١٤٦): رواه أحمد والطبراني (٢٤/ ١٧٨ / ٤٤٧) باختصار إلا أنه قال: "ويل أمكم يا قريش لإلافكم رحلة الشتاء والصيف" وفيه عبيد الله بن أبي زياد القداح وشهر بن حوشب وقد وثقا وفيهما ضعف، وبقية رجال أحمد ثقات. ا هـ.