للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومضمون ما فسر به هؤلاء الأئمة هذه الآية: أن الله تعالى يذكر شرف البيت، وما جعله موصوفًا به شرعًا وقدرًا، من كونه مثابةً للناس، أي: جعله محلًا تشتاق إليه الأرواح، وتحن إليه، ولا تقضي منه وطرًا، ولو تردّدت إليه كل عام، استجابة من الله تعالى لدعاء خليله إبراهيم، ، في قوله: ﴿فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوي إِلَيهِمْ﴾ إلى أن قال: ﴿رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ﴾ ويصفه تعالى بأنه جعله آمنًا، من دخله أمن، ولو كان قد فعل ما فعل، ثم دخله كان آمنًا.

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: كان الرجل يلقى قاتل [أبيه وأخيه] [١]ـ فيه فلا يَعْرض له، كما وصف [٢] في سورة المائدة بقوله تعالى: ﴿جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ﴾، أي: يُرفع عنهم بسبب تعظيمها السوءُ، كما قال ابن عباس: لو لم يحج الناس هذا البيت لأطبق الله السماء على الأرض. وما هذا الشرف إلا لشرف بانيه أوّلا وهو خليل الرحمن، كما قال تعالى: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيئًا﴾ وقال تعالى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالمِينَ (٩٦) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾.

وفي هذه الآية الكريمة نبّه على مقام إبراهيم مع الأمر بالصلاة عنده. فقال: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ وقد اختلف المفسرون في المراد بالمقام [٣] ما هو؟

فقال ابن أبي حاتم (٧٥٣): حدثنا عمرو بن شبة [٤] النميري، حدَّثنا أبو خلف -يعني عبد الله بن عيسى- حدثنا داود بن أبي هند، عن مجاهد، عن ابن عباس: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ قال: مقام إبراهيم الحرم كله. وروي عن مجاهد، وعطاء مثل ذلك.

وقال أيضًا [٥] (٧٥٤): حدثنا الحسن بن محمَّد بن الصباح، حدثنا حجاج، عن ابن جريج قال: سألت عطاء عن ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ فقال: سمعت ابن عباس قال: أما مقام إبراهيم الذي ذُكر هاهنا، فمقام إبراهيم هذا الذي في المسجد. ثم قال: و ﴿مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ﴾ يَعُدُّ كثير مقامَ إبراهيم الحجَّ كلَّه. ثم فسره [٦] لي عطاء فقال: التعريف،


(٧٥٣) - رواه ابن أبي حاتم برقم ١٢٠٧ - (١/ ٣٧١). وإسناده ضعيف لضعف عبد الله بن عيسى: أورده في الميزان (٢/ ٤٧٠) وقال: قال أبو زرعة: منكر الحديث. وقال ابن عدي: هوي عن يونس وداود بن أبي هند ما لا يوافقه عليه الثقات، أحاديثه أفراد كلها. وقال النسائي: ليس بثقة.
(٧٥٤) - تفسير ابن أبي حاتم ١٢٠٦ - (١/ ٣٧١).