أبي حاتم من حديث محمد بن يزيد بن خُنيس المكي، عن وُهَيب بن الوَرْد أنه قرأ: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا﴾، ثم يبكي ويقول: يا خليل الرحمن، ترفع قوائم بيت الرحمن، وأنت مُشْفِق ألا يتقبل [١] منك. وهذا كما حكى الله تعالى عن حال المؤمنين المخلصين في قوله: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا﴾ أي: يعطون ما أُعطوا من الصدقات، والنفقات، والقربات ﴿وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾، أي: خائفة ألا يتقبل منهم. كما جاء في [٢] الحديث الصحيح، عن عائشة، عن رسول الله ﷺ كما سيأتي في موضعه.
وقال بعض المفسرين: الذي كان يرفع القواعد هو إبراهيم، والداعي إسماعيل، والصحيح أنهما كانا يرفعان،: يقولان كما سيأتي بيانه.
وقد روى البخاري هاهنا حديثًا سنورده، ثم نُتِبْعه بآثار متعلقة بذلك.
قال البخاري (٨٠٢)﵀: حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن أيوب السَّختياني، وكثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة -يزيد أحدهما على الآخر- عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ﵄ قال: أول ما اتخذ النساء المنطق من قِبَل أم إسماعيل ﵉ اتخذت منطقًا، ليعفِّي أثرها علي سارة، ثم جاء بها إبراهيم، وبابنها إسماعيل ﵉ وهي ترضعه، حتى وضعهما عند البيت عند دوحة فوق زَمْزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء، فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جرابًا فيه تمر، وسِقَاءً فيه ماء، ثم قفَّى إبراهيم، ﵇، منطلقًا، فتبعته أم إسماعيل فقالت: ياإبراهيم! أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنيس [٣] ولا شيء؟ فقالت له ذلك مرارًا، وجعل لا يلتفت إليها، فقالت [٤]: آلله أمرك بهذا؟ - قال نعم. قالت: إذًا لا يضيعنا، ثم رجعت. فانطلق إبراهيم، ﵇، حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه، استقبل بوجهه البيت، ثم دعا بهؤلاء الدعوات ورفع يديه، فقال [٥]: ﴿رَبَّنَا [٦] إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيتِكَ الْمُحَرَّمِ﴾ حتى بلغ: ﴿يَشْكُرُونَ﴾، وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل ﵉، وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نَفِدَ [٧] ماء السقاء عطشت، وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى -أو قال: يتلبط-
(٨٠٢) - رواه البخاري في أحاديث الأنبياء برقم (٣٣٦٤).