للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حفظهم، مع أن لهم كتبا صحيحة، ومن هؤلاء من قيل فيهم إنهم لا يحدثون إلا من كتاب، أي أنهم ربما حدثوا من الحفظ أيضا، كما قال أبو زرعة الرازي في إبراهيم بن موسى الرازي: "أتقن من أبي بكر بن أبي شيبة، وأصح حديثا منه، لا يحدث إلا من كتابه، لا أعلم أني كتبت عنه خمسين حديثا من حفظه" (١).

وللتحديث من الحفظ أسباب عديدة، أحدها العامل النفسي، فإن القوم أصحاب حفظ، يتفاخرون بذلك، وليس من السهل على أحدهم أن يلتزم التحديث من الكتاب، ففيه غضاضة عليه، لاسيما حين يشعر أنه مقصود بذلك لخوف خطئه، كما تقدم آنفا في كلام عبد الرزاق مع يحيى بن معين.

ومن ذلك قصة همام بن يحيى البصري، كان يحدث من حفظه فيخطئ أحيانا، ويخالَف فيما يروي فلا يرجع إلى كتابه، ثم إنه رجع بعد فعرف أنه يخطئ، قال عفان: "كان همام لا يكاد يرجع إلى كتابه ولا ينظر فيه، وكان يخالَف فلا يرجع إلى كتابه، ثم رجع بعد فنظر في كتبه، فقال: يا عفان كنا نخطئ كثيرا، فنستغفر الله تعالى" (٢).

وقد اضطره إلى الرجوع إلى كتبه أخيرا أنه أصابته مثل الزمانة (الزمانة: المرض الدائم) فكان يحدثهم من كتبه، قاله أحمد (٣).

وقد توارد جماعة من الأئمة على أن هماما يخطئ إذا حدث من


(١) "الجرح والتعديل"٢: ١٣٧.
(٢) "تهذيب التهذيب"١١: ٧٠، وانظر: "سؤالات أبي داود" ص ٣٣٥، و"العلل ومعرفة الرجال ١: ٣٥٧.
(٣) "سؤالات أبي داود" ص ٣٣٥.

<<  <   >  >>