للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومثل ما تقدم يقال في تفرد الراوي، فنرى الأئمة يستنكرون أحاديث لبعض الرواة، ومع هذا يوثقونهم، ونراهم تارة أخرى يضعفون الراوي بحديث واحد أنكر عليه (١)، وما ذلك إلا لمراعاة مقدار ما شارك الراوي فيه الثقات، ونوع ما تفرد به، فبعض التفرد لا يغتفر وإن كان قليلا، كما قال أبو زرعة وقد سئل عن عمر بن عبد الله بن أبي خثعم: "واهي الحديث، حدث عن يحيى بن أبي كثير ثلاثة أحاديث، لو كانت في خمسمئة لأفسدتها" (٢).

فإذا جئنا إلى عدالة الراوي رأينا تعارض الوسائل يقع فيها أيضا، مثل أخذ الأجرة على التحديث، فقد ورد عن الأئمة كلمات في التحذير منه، وأنه لا يؤخذ الحديث ممن يبيعه، وفي مقابل ذلك وثقوا جماعة ممن كان يأخذ الأجرة على التحديث، وأثنوا عليهم، فمنعهم من أخذ الأجرة "تنزيهًا للراوي عن سوء الظن به، لأن بعض من كان يأخذ الأجر على الرواية عثر على تزيده وادعائه ما لم يسمع، لأجل ما كان يعطى" (٣)، فإذا أمن هذا الجانب، وثبتت عدالة الراوي وثقته، صار الخروج الخروج على عرفهم مستساغا إذا ألجأت إليه الحاجة والضرورة (٤).

ومن دقائق تعارض الوسائل ما يرجع الأمر فيه إلى القصد والنية، فقد يكون في الشخص من الصلاح والعبادة ما يظن به البعد عن


(١) انظر مثلا: "أسئلة البرذعي لأبي زرعة" ص ٣٥٩، ٣٦٠، و"المجروحين"١: ٣٠٠.
(٢) "أسئلة البرذعي لأبي زرعة" ص ٥٤٣.
(٣) "الكفاية" ص ١٥٤.
(٤) انظر: "معرفة الرجال"٢: ٣١، و"الكفاية" ص ١٥٣ - ١٥٦، و"سير أعلام النبلاء"١١: ٤٢٦، و"فتح المغيث"٢: ٨٦ - ٩٩.

<<  <   >  >>