للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الكذب، وفي حديثه من المناكير والموضوعات ما يوجب ريبة أن يكون يكذب، فهل ما وقع منه بسبب الضبط، من غير تعمد، أو بسبب العدالة، فالراوي قد تعمد ذلك؟ في أحيان كثيرة يتحدد أحد السببين بسهولة، بناء على قرائن الحال التي تحيط بالراوي، ومثاله ما وقع لعبد العزيز الداروردي، فقد انقلبت عليه أحاديث عبد الله بن عمر العمري، وهو ضعيف، فجعلها عن أخيه عبيد الله بن عمر، وهو ثقة ثبت، وعُد ذلك خطأ من الداروردي، ووقع القلب من راو آخر، وهو حماد بن عمرو النصيبي، وعد العلماء ذلك تعمدا منه (١).

وفي أحيان أخرى يقع التردد، كما في قصة أبي مقاتل حفص بن سَلْم السمرقندي، أحد العباد، في حديثه مناكير وموضوعات، فمن النقاد من يرى أنه صدوق، لا يتعمد الكذب، وأنه يغلط، ويدخل عليه الحديث دون أن يدري، ومنهم من يكذبه، قال نصر بن حاجب المَرْوَزي: "ذكرت أبا مقاتل لعبد الرحمن بن مهدي، فقال: والله لا تحل الرواية عنه، فقلت له: عسى أن يكون كتب له في كتابه وجهل ذلك، فقال: يكتب في كتابه الحديث؟ فكيف بما ذكرت عنه أنه قال: ماتت أمي بمكة، فأردت الخروج منها، فتكاريت، فلقيت عبيد الله بن عمر، فأخبرته بذلك، فقال: حدثني نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من زار قبر أمه كان كعمرة قال: فقطعت الكرى، وأقمت، فكيف يكتب هذا في كتابه؟ " (٢).


(١) انظر: ما تقدم في المبحث الثاني (اختلاف حال الراوي) (الصورة الأولى)، و"الضعفاء الكبير"١: ٣٠٨، و"لسان الميزان"٢: ٣٥٠، و"النكت على كتاب ابن الصلاح"٢: ٦٤٠.
(٢) "المجروحين"١: ٢٥٦، وانظر: "الكامل"٢: ٨٠٠، و"الإرشاد"٣: ٩٧٥، و"تهذيب التهذيب"٢: ٣٩٧، و"لسان الميزان"٢: ٣٢٢.

<<  <   >  >>