يكتب حديثه، وإذا ترك الواحد منهم الرواية عن شخص دلَّ ذلك على ضعفه الشديد عنده، وتتفاوت مراتبهم أيضا، ويضم ذلك كله إلى ما قيل في الراوي من جرح أو تعديل، سواء من ذلك الناقد أو من غيره.
فإن لم يكن في الراوي جرح ولا تعديل صريح، فترك ذلك الناقد الرواية عنه جرح له، ينزله عن درجة من يكتب حديثه، وروايته عنه تعديل له، والاحتياط أن يكون في أدنى درجاته، وهو أن الراوي ليس بساقط الرواية، فهو صالح للاعتبار، ويبقى النظر في حديثه، وما يحتف به من قرائن أخرى.
روى عباس الدوري، عن يحيى بن معين قوله في عُمَيْر بن إسحاق:"لا يُساوي شيئا، ولكن يكتب حديثه"، ثم قال عباس:"يعني يحيى بقوله: إنه ليس بشيء يقول: إنه لا يعرف، ولكن ابن عَوْن روى عنه، فقلت ليحيى: ولا يُكتب حديثه؟ قال: بلى"(١).
هذه هي القاعدة العامة في الحالتين، وأما القول بجعل رواية من عرف عنه انتقاء شيوخه توثيقا للراوي بمنزلة وصفه بأنه ثقة، ففيه بعد لا يخفى، ومما يدل على ذلك ويؤكده أن عبد الرحمن بن مهدي حين قال لتلميذه محمد بن المثنى إن أهل الكوفة يحدثون عن كل أحد، ثم قال له محمد:"هم يقولون إنك تحدث عن كل أحد"، فطلب مثالا على ذلك، فسمى له محمد بن راشد المكحولي، فقال عبد الرحمن: "احفظ عني، الناس ثلاثة: رجل حافظ متقن، فهذا لا يختلف فيه، وآخر يهم والغالب على حديثه الصحة، فهو لا يترك، ولو ترك حديث مثل هذا