للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لذهب حديث الناس، وآخر الغالب على حديثه الوهم، فهذا يترك حديثه" (١).

وأراني هنا ملزما باستثناء الإمام يحيى بن سعيد القطان من هذه القاعدة، فهذا الإمام الجبل له مذهب خاص فيمن يرتضيه ويروي عنه، وفيمن يتركه، مال فيه إلى الشدة، فمن روى عنه فهو أرفع حالا من كونه يكتب حديثه، ومن تركه فلا يدل على ضعفه الشديد عنده، إذ قد ترك الرواية عن أناس مع ثنائه عليهم وتعديله لهم، فلا يبعد القول بتوثيق من يروي عنه يحيى، وإن لم يوجد فيه غير روايته عنه، قال ابن المديني: "سمعت يحيى بن سعيد -وذكر عمر بن الوليد الشَّنِّي- فقال بيده يحركها -كأنه لا يقويه-، فاسترجعت أنا، فقال: مالك؟ قلت: إذا حركت يدك فقد أهلكته عندي، قال: ليس هو عندي ممن أعتمد عليه، ولكنه لا بأس به" (٢)، ولم يحدث عنه يحيى (٣).

وذكر الترمذي جماعة ممن ترك القطان الرواية عنهم، وفيهم كلام من قبل حفظهم، ثم قال: "وإن كان يحيى بن سعيد القطان قد ترك الرواية عن هؤلاء، فلم يترك الرواية عنهم أنه اتهمهم بالكذب، ولكنه تركهم لحال حفظهم، ذكر عن يحيى بن سعيد أنه كان إذا رأى الرجل يحدث من حفظه مرة هكذا، ومرة هكذا، لا يثبت على رواية واحدة- تركه، وقد حدث عن هؤلاء الذين تركهم يحيى بن سعيد القطان: عبد الله بن المبارك، ووكيع بن الجراح، وعبد الرحمن بن مهدي،


(١) "التمييز" ص ١٧٨.
(٢) "الجرح والتعديل"٦: ١٣٩، و"الضعفاء الكبير"٣: ١٩٤.
(٣) "الضعفاء الكبير"٣: ١٩٤، و"الكامل"٥: ١٦٩٩، و"لسان الميزان"٤: ٣٣٧.

<<  <   >  >>