"تقريب التهذيب" استخلصه من نصوص النقاد التي ساقها في "تهذيب التهذيب"، ولكنه مع حرصه التام على ذكر كل ما يقف عليه من كلام النقاد، ما كان في أصل كتابه وهو "تهذيب الكمال" للمزي، أو ما زاده عليه مغلطاي في كتابه "إكمال تهذيب الكمال"، أو ما وقف عليه هو بنفسه- مع هذا فقد فاته الشيء الكثير من نصوص النقاد، وقد يكون ما فاته ذا أثر كبير في استخلاص الحكم على الراوي، وهذا أكثر ما يظهر في غير المشهورين من الرواة (١).
وقد اتضح مما تقدم أن ما يفعله كثير من الباحثين في نقلهم لنصوص النقاد فيمن يترجمون له بقولهم مثلا: وثقة أحمد، وابن معين، والذهبي، أو قولهم: قال أبو داود، والعجلي، وابن حجر:"ثقة"- ينبئ عن عدم تصور معنى توثيق أحمد، وابن معين، وأبي داود، والعجلي، ومعنى توثيق الذهبي، وابن حجر.
وأدق من ذلك أن بعض الباحثين حين يتصدى لشرح مصطلح ما قد ينصب الاختلاف في معناه بين ناقد متقدم، وبين إمام متأخر، فيقول مثلا: قولهم: منكر الحديث، فيه قولان، الأول: لأحمد، والبخاري، وسائر النقاد المتقدمين، ثم يذكر معناه عندهم، الثاني: للذهبي، ثم يذكر معناه عنده.
وقد رأيت من يفعله، وغير خاف أن الذهبي حين أطلق معنى هذا المصطلح ليس مراده أن يخالف الأولين، وأن يأتي بجديد، وإنما هو اجتهد ونظر في إطلاق الأولين لهذا المصطلح، فشرح مرادهم به،
(١) انظر مقدمة التحقيق لكتاب: "تاريخ الدارمي عن ابن معين"، وكتاب "سؤالات ابن الجنيد لابن معين"، وكتاب "تاريخ ابن الهيثم عن ابن معين"، وكلها لأحمد نور سيف.