سواء وفق في هذا الاجتهاد أو كان الصواب بخلاف ما ذهب إليه.
وقضية استفادة الناقد من كلام من تقدمه من النقاد بدأت مبكرة جدا، كما تقدم شرحه في المبحث الرابع من الفصل الأول، وكلما تأخر الزمن زادت ضرورة نظر الناقد في أقوال من سبقه، ولهذا نجد من تأخر عن القرن الثالث قليلا -كابن حبان، وابن عدي، والدارقطن- نظره في غالب الرواة خليط من سبر أقوال النقاد قبله، ومن نظره هو في أحاديث الراوي، ثم اختيار رأي له هو.
وأما المتأخرون فنظرهم -كما أسلفت- تمخض في كلام النقاد في الراوي.
الثالثة: لا يختلف اثنان من المشتغلين بعلم السنة على أهمية الجرح والتعديل في نقد السنة، غير أن هذا لا يمنع من القول إنه جزء من النقد، وليس النقد كله، فدرجة الراوي حين النظر في الإسناد كله، ثم في الأسانيد الأخرى- حلقة في سلسلة حلقات، يتوصل بها أخيرا إلى الحكم على الحديث، وفي كثير من الأحاديث ليس لدرجة الراوي تأثير كبير على هذا الحكم، لسبب بسيط جدا، وإن كان خفي تصوره على أكثر المتصدين لنقد السنة في عصرنا وقبله أيضا، وهذا السبب هو أن الحكم على الحديث سابق عند النقاد الأولين على الحكم على الراوي، فالحكم الذي يصدره الناقد على الراوي من أهم وسائله -كما تقدم شرحه في المبحث الأول من الفصل الأول- النظر في أحاديث الراوي، ومقارنتها بحديث غيره، لمعرفة ما أصاب فيه وما أخطأ، وما شاركه فيه غيره مما تفرد به، فالحكم بالخطأ على أول حديث يقف عليه الناقد إذن ليس مبنيا على درجة الراوي، فالراوي لم يتحدد