للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذهب الجمهور إلى أن عادة المخاطبين (العرف العملي) لا تخصص المقصود من الخطاب الشرعي، واستدلوا على ذلك بأن الحجَّةَ في لفظ الشارع وهو عائمٌّ، وأن ألفاظ الشارع غير مبنيّة على عادة الناس في معاملاتهم، والعادة ليست بحجة حتى تكون معارضة للنص الشرعي، بل إن الشرع إنما جاء مغيِّراً للعادات.

ولكن عادة الناس تؤثر في تعريف مرادهم من ألفاظهم فيمكن أن تكون العادة العملية (العرف العملي) مخصصة لخطابهم فيما بينهم. (١)

الحالة الثانية: أن يكون الشارع قد أوجب شيئاً أو نهي عنه أو أخبر به بلفظ عامّ، ثم رأينا العادة جاريّة بالعمل ببعض ما يشمله ذلك العام دون الباقي، فهل يُعدّ ذلك تخصيصاً للعامّ؟ بحيث يكون المقصود من العام ما عدا ذلك البعض الذي جرت العادة بتركه أو بفعله، أم أن ذلك غير معتبر ويبقى العامّ على عمومه؟

وفي المسألة تفصيل على النحو الآتي:

١ - إذا عُلِم أن العادة إنما جرت بهذا بعد زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنها لا تُعدّ تخصيصاً لعموم ذلك النص؛ لأن الشرع إنما جاء لنقل الناس عن عاداتهم- إلَّا أن يقع على ذلك إجماع فيصير من باب تخصيص النص بالإجماع- (٢) ولأن العادة التي تمثل عنصراً من الواقع الإجتماعي الذي جاء الشرع لإصلاحه، والتي يكون لها تأثير في موقف الشرع ويمكن أن يُستعان بها في فهم الخطاب باعتبارها جزءًا منه إنما هي التي كانت موجودة زمن التشريع، وما طرأ بعد انقطاع الوحي لا يُعدّ من ذلك. وكذلك إذا كانت العادة جارية في زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعَلِم بها فأبطلها، أو ثبت قطعاً أنه لم يعلم بها، وكانت مخالفة لعموم النص فإنها لا يُعْتَدُّ بها في التخصيص.

٣ - إذا عُلِم جريان العادة في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - مع علمه بها وعدم نهيه عنها فإنها


(١) انظر الغزالي: المستصفى، ج ٢، ص ٥٢؛ القرافي، أحمد بن أدريس: شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول من الأصول، تحقيق طه عبد الرؤوف سعد، (القاهرة: مكتبة الكليات الأزهرية، ط ٢، ١٤١٤ هـ / ١٩٩٣ م)، ص ٢١٢ - ٢١٣؛ والزركشي: البحر المحيط، ج ٣، ص ٣٩١ - ٣٩٢.
(٢) انظر الزَّركشي: البحر المحيط، ج ٣، ص ٣٩١، ٣٩٤ - ٣٩٦.

<<  <   >  >>