الفرق بين الاستقراء العلمى والاستقراء في العلوم الإنسانية
من خلال ما تقدم من الحديث عن الاستقراء عند المناطقة والفلاسفة، وعند علماء المسلمين خاصة الإمام الشاطبي، يتضح أن هناك فرقًا واضحًا بين الاستقراء المنطقي -سواء في المنطق الصوري القديم، أو في شكله العلمي في المنطق الحديث- والاستقراء في العلوم الإنسانية. فالاستقراء في المنطق الصوري القديم لم يتعدَّ صورته البسيطة، حيث يبدو موجهًا بالدرجة الأولى إلى استقراء الأوصاف العرضية، وتعداد الجزئيات، وقلَّما تجده مَعْنِيًّا باستقراء المعاني والقيم. ويبدو هذا جليًّا من خلال تمثيلهم للإستقراء بنوعيه، كمثال أرسطوفي العلاقة بين طول العمر وقلَّة المرارة في الحيوانات والإنسان، ومثال التمساح المشهور عند المناطقة المسلمين في قضية استقراء تحريك الفكّ الأسفل عندا المضغ.
أما الاستقراء العلمي، فمع أنه انتقل بالاستقراء من صورته البسيطة إلى الغوص في مسائل التعليل، والإطراد، والتناسق في قوانين الكون، وعدم الإكتفاء بملاحظة الأوصاف الرضية بل الإنتقال إلى مرحلة وضع الفرضيات، ثم السعي إلى التحقق منها بالتجارب، إلّا أنه يختلف عن الاستقراء في مجال العلوم الإنسانية من حيث الغرض، ومجال عمل كلّ منهما.
فالاستقراء العلمي يبحث في قوانين علمية صارمة ومنضبطة وضع الله تعالى الكون عليها، ولا تتدخل فيها إرادة الإنسان ورغباته وظروفه. وغرضه الكشف عن تلك القوانين، وكيفية عملها. وفي حين يتعامل الاستقراء العلمي مع الوقائع الحسية بالدرجة الأولى، نجد الاستقراء في العلوم الإنسانية يتعامل - فضلًا عن ذلك- بشكل أساسي مع نصوص شرعيّة موجهة إلى الإنسان، أو مع أحداث تاريخية كان الإنسان