للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الأول

تعليل الأحكام الشرعية وعلاقته بالكشف عن مقاصد الشريعة

تبيّن من خلال تعريف المقاصد أنها الغايات والحِكم التي وُضِعَت الشريعةُ لتحقيقها لمصلحة العباد في الدنيا والآخرة. كما تبيّن عند الحديث عن العلاقة بين المقاصد والعلل، أن المقاصد قد تكون هي العلل ذاتها، وذلك عند كون العلة مرادفة للحِكمة، وقد تكون غيرها عند كون العلة مجرد وصف ظاهر منضبط نُصِبَ مكان الحِكْمة؛ لكونه عادة ضابطاً لها ومظنة تحقُّقِها. وعلى ذلك يمثِّل التعليلُ -سواء بمعناه العام أو الخاص- أساسَ القولِ بالمقاصد، فلا يمكن القول بوجود مقاصد للشارع الحكيم من شرعه للأحكام الشرعية إلّا مع القول بكون أحكامه معللة. ولذلك نجد الإمام الشاطبي افتتح الجزء المخصص للمقاصد من كتابه الموافقات بالحديث عن مسألة تعليل الأحكام، وإن كان ذلك باختصار مقتضب، إلّا أنه في تقرير صارم بالقطع بجريان التعليل في جميع تفاصيل الشريعة، (١) ومقصوده بجريان التعليل في كلّ تفاصيل الشريعة كونُها إنما وُضِعَت لمصالح العباد في العاجل والآجل، وليس بمعنى التعليل القياسي كما سيأتي بيانه.

ويهدف هذا الإستعراض الموجز لمسألة تعليل الأحكام الشرعية إلى هدفين:

الأول: بيان أن النزاع فيها مسألة كلامية لا رواج لها في الواقع العملي بين الفقهاء والأصوليين باستثناء الظاهرية، وأن تحرير محلّ النزاع فيها يكشف عن أن الكل متَّفقٌ على وجود التعليل الذي هو بمعنى وجود حِكَم ومقاصد للأحكام الشرعية.

الثاني: تحرير القول في ما شاع من أن الأصل في العبادات التعبُّد وعدم التعليل، وما ينشأ عن ذلك من إشكال في الجمع بينه وبين القول بأنّ لكل حكم شرعي حِكْمة ومقصد.


(١) انظر المصدر السابق، مج ١، ج ٢، ص ٤ - ٥.

<<  <   >  >>