للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الثاني

الاستقراء عند الإمام الشاطبي بين القطع والظن

جرى الشاطبي على التقسيم المعروف للإستقراء إلى استقراء تام، واستقراء ناقص. أما الاستقراء التام فالشاطبي -كغيره من العلماء والمناطقة- يرى أنه يفيد القطع، وقد صرح بذلك في مواطن، منها:

١ - كون حقوق الله تعالى لا ترجع إلى اختيار المكلَّف، ومن ثَمَّ لا يمكن لأحد إسقاطها، حيث يقول: "أما حقوق الله تعالى فالدلائل على أنها غير ساقطة، ولا ترجم لاختيار المكلَّف كثيرة. وأعلاها الاستقراء التام (*) في موارد الشريعة ومصادرها ... ". (١)

٣ - إثبات أن مورد التكاليف الشرعية هو العقل، حيث قال: "والثالث: أن مورد التكليف هو العقل، وذلك ثابت قطعًا بالاستقراء التام، حتى إذا فُقِد (أي العقل) ارتفع التكليف رأسًا". (٢) وواضح أن الاستقراء التام هنا ممكن، إذْ إن خطابات الشارع التي ربطت التكليف بالعقل معدودة، وكذلك التي أسقطت التكاليف عن فاقديه.

٣ - إثبات أن الأحكام الكلية، والقواعد الأصولية في الدين، لم يقع فيها نسخ وإن كان ذلك ممكن عقلًا، حيث قال بعد تقرير هذه القاعدة: "ويدلّ على ذلك الاستقراء التام ... ". (٣) وهو أيضًا استقراءً إتمامه ممكن لكون نصوص القرآن محدودة ومعلومة.

٤ - ادعاؤه أن انحصار المصالح في ثلاث مراتب (الضرورية، والحاجية، والتحسينية) أمر ثابتًا بالاستقراء التام، وذلك قوله: "واستقر بالاستقراء التام أن المصالح على ثلاث مراتب". (٤)


(*) التسويد في النصوص من عندنا لبيان موضع الشاهد.
(١) الشاطبي: الموافقات، مج ١، ج ٢، ص ٢٨٥.
(٢) المصدر السابق، مج ٢، ج ٣، ص ١٩.
(٣) المصدر السابق، مج ٢، ج ٣، ص ٧٩.
(٤) المصدر السابق، مج ٢، ج ٤، ص ٧٦ - ٧٧. وهذا ادعاء يبدو أنه غير مُسلَّم به، إذ مع التسليم بانحصار المصالح في المراتب الثلاثة التي ذكر، إِلَّا أن القول بأن ذلك ثبت بالاستقراء التام غير ممكن، لعدم القدرة على حصر كل المصالح الشرعية: كلِّيّها وجزئيِّها، وإنما كان الأولى القول بأن ذلك ثابت بالاستقراء الناقص مع مقتضى القسمة العقلية، إذْ حصر مراتب المصالح في ثلاث يقتضى أن لا تخرج عنها بعد ذلك أي مصلحة من المصالح الشرعية.

<<  <   >  >>