من المعلوم أن العلة قد تكون هي الحِكْمة ذاتها، وذلك في حال كون الحِكْمة وصفًا ظاهرًا منضبطا، وقد تكون مظنتها، وذلك في حال كون الحِكْمة غير ظاهرة، أو غير منضبطة، فيقام مقامها وصف ظاهر منضبط يكون مظنة وجودها ويعتبر هو العلة. ومن المقرر عند الأصوليين أن العللَ ضابطةٌ لحِكَم قصدها الشارع، وقد تكون تلك الحِكَم ظاهرة متحققة، أو خفية مظنونة التحقق. وعلى ذلك قد تتعدد علل مجموعة من الأحكام، لكن الحِكْمة منها جميعًا واحدة. ويكون الاستقراء هنا لمجموعة من علل الأحكام المختلفة، لكن المستقرئ يلاحظ وجود حِكْمة مشتركة تدور حولها جميع تلك العلل، فيخلص من ذلك إلى أن هذه الحِكْمة مقصودة للشارع.
وسيكون المثال التطبيقي لهذا النوع من الاستقراء هو تحديد موقف الشارع من الغرر في المعاملات، حيث سيتم استقراء جملة المعاملات التي نهى عنها الشارع لعلل مختلفة، ولكن عند التأمل نجد أن كل تلك العلل تجمعها حكمة واحدة، هي رفع الغرر وإبطاله في التعامل بين الناس. وسيتم الاستقراء على المستويات الآتية:
١ - تحديد موقف الشارع من الغرر في صيغة العقد.
٢ - تحديد موقف الشارع من الغرر في محل العقد.
٣ - تحديد موقف الشارع من الغرر من خلال النصوص الواردة في إبطال الغرر عمومًا.
وقبل الشروع في عملية الاستقراء ينبغي بداية تحديد مفهوم الغرر الذي ستشمله عملية الاستقراء.
تعريف الغرر:
الغرر لغة: الخطر أو الوقوع في الهلاك، والتغرير: حمل النفس على الغرر، يقال: