للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهم العرب الذين نزل القرآن بلسانهم - فإن كان للعرب في لسانهم عرف مستمرّ فلا يصحّ العدول عنه في فهم الشريعة، وإن لم يكن ثَمّ عرف فلا يصح أن يجرى في فهمها على ما لا تعرفه". (١)

وينبغي التنبيه هنا على أن العرف اللغوي الذي يمكن أن يكون مخصِّصاً هو العرف السابق أو المقارن لزمن التشريع، أما العرف الطارئ بعد ذلك فلا تأثير له في تخصيص أو تغيير دلالة نصوص الشارع. (٢)

المطلب الرابع

تخصيص العام بقول الصحابي

اختلف العلماء في جواز تخصيص عموم الحديث بقوله الصحابي -سواء كان هو الراوي أو غيره- بين مجيز ومانع. وليس هذا موضع التفصيل في المسألة، وإنما الذي له صلة بموضوع المبحث هو مستند القائلين بجواز التخصيص، حيث احتجوا بأن عدالة الصحابة متَّفقٌ عليها، ومن مقتضى العدالة أن لا يعمد الصحابي إلى مخالفة ظاهر حديث رواه هو أو غيره إلّا لكونه اطلع على قرائن حاليّة أو مقالية فهم منها تخصيص الحديث أو نسخه، أو كون الأمر فيه لغير الإلزام، وخاصة إذا كان هو الراوي؛ إذ الراوي يشاهد من القرائن ما لا يشاهده غيره.

ومع تسليم المخالفين بإمكان ذلك إلَّا أنهم أثاروا من الإحتمالات ما يوهن ذلك: كأن يكون الأمر اجتهاداً من الصحابي في الفهم بناءً على دليل لو ظهر لغيره لخالفه فيه، وعدم عصمة الصحابي تجعل خطأه في الفهم محتملاً، خاصة إذا لم يكن فقيهاً، ولأنه لو بَدَا له من القرائن ما يفيد ذلك الفهم لبيّنه دفعًا للشبهة. (٣)

والأَوْلى التأكد من جملة أمور قبل الحكم، وهي: التحقُّق من عدم نسيانه للخبر


(١) الشاطبي: الموافقات، مج ١، ج ٢، ص ٦٢؛ وانظر الجويني: البرهان، ج ١، ص ١٣٤.
(٢) انظر القرافي: شرح تنقيح الفصول، ص ٢١١.
(٣) انظر في تفصيل المسألة الزركشي: البحر المحيط، ج ٣، ص ٣٩٨ - ٤٠٢؛ والرازي: المحصول، ج ٣، ص ١٢٦ - ١٢٩.

<<  <   >  >>