للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حرموا على أنفسهم، فأثبت عليهم تحريمها". (١)

ثانياً: العرف اللغوي:

وهو أن يتعارف أهل اللسان على حمل لفظ عام على بعض أنواعه، ثم يرد اللفظ في نص شرعي بصيغة العموم، فهل يُعدّ ذلك العرف تخصيصاً حتى لا مجري الأمر أو النهي إلّا في الدلالة العرفية؟ أم أن العبرة بعموم اللفظ فيعمّ كلّ ما يطلق عليه اللفظ بأصل الوضع اللغوي إلّا أن يرد دليل آخر بتخصيصه؟ وذلك مثل لفظ الدابة يدلّ بأصل الوضع اللغوي على كلّ ما يدبّ على الأرض، ويحمل عادة على ذوات الأربع فقط، أو على نوع بعينه من الدواب. (٢)

اختلف الأصوليون في ذلك، فذهب أبو بكر الصَّيْرفيُّ إلى أن العبرة "بعموم اللسان، ولا اعتبار بعموم ذلك الإسم على ما اعتادوه، لأن الخطاب إنما يقع بلسان العرب على حقيقة لغتها ... فالحكم للإسم حتى يأتي دليل على التخصيص". (٣)

وذهب الجمهور إلى أنه يخصصه، (٤) لكون دلالة العرف مقدَّمة على دلالة اللغة؛ لأن العوائد اللفظية ناقلة للغة ومعارضة لها، فهي ناسخة للغة، والناسخ مُقدَّم على المنسوخ. (٥) ويرى أبو الحسين البصري أن هذا التخصيص ليس من باب التخصيص بمعناه الشرعي، وإنما هو تخصيص بالنسبة لِلُّغَة. (٦)

ويشترط في العرف اللغوي المخصِّص أنما يكون مستمرّاً وصل حَدَّ النقل بين أهل اللغة. يقول الإمام الشاطبي: "لا بُدّ في فهم الشريعة من أتباع معهود الأميين -


(١) الشافعي: الأم، ج ٢، ص ٣٩٠.
(٢) انظر الغزالي: المستصفى، ج ٢، ص ٥٢.
(٣) الزَّركشي: البحر المحيط، ج ٣، ص ٣٩٣. وهو مذهب الجويني -كما يفهم من كلامه- حيث يقول: "فمجرد العرف لا يقضي تخصيصاً؛ فإن القضايا متلقاة من الألفاظ، وتواضُعُ الناس عبارات لا يغيّر وضع اللغات ومقتضى العبارات. فإن قالوا: الناس مخاطبون على أفهامهم. قلنا: فليفهموا من اللفظ مقتضاه، لا ما تواضعوا عليه". البرهان، ج ١، ص ٢٩٧.
(٤) انظر الغزالي: المستصفى، ج ٢، ص ٥٢؛ والزركشي: البحر المحيط، ج ٣، ص ٣٩٤ - ٣٩٦.
(٥) انظر القرافي: شرح تنقيح الفصول، ص ٢١٢.
(٦) انظر أبو الحسين البصري: المعتمد في أصول الفقه، ج ١، ص ٢٧٩.

<<  <   >  >>