من أجل بيان وظيفة السياق والمقام في تحديد المقصود من النصوص الشرعية لا بُدّ من الحديث عن العناصر التي تتحكم في فهم خطابٍ ما.
يمكن تحديد العناصر المتحكمة في فهم الخطاب وتحديد المقصود منه في أربعة عناصر, هي: الخطاب، أي نص الخطاب وهو راجع إلى طبيعة اللغة التي تَمَّ بها التخاطب، وحال المخاطِب، وحال المخاطَب، ومقام الخطاب. يقول الإمام الشاطبي:" ... معرفة مقاصد كلام العرب إنما مداره على معرفة مقتضيات الأحوال: حال الخطاب من جهة نفس الخطاب، أو المخاطِب، أو المخاطَب، أو الجميع؛ إذ الكلام الواحد يختلف فهمه بحسب حالين، وبحسب مخاطَبين، وبحسب غير ذلك ... ". (١)
المطلب الأول
لغة الخطاب
العنصر الأول الذي يتحكّم في فهم المقصود من الخطاب هو نوع اللغة التي تَمّ بها الخطاب، من حيث مدى وضوحها أو غموضها. فكلّما كانت لغة الخطاب أكثر سهولة ووضوحًا كان إدراك المقصود منها أيسر, وبالعكس. ويتحكم في مدى وضوح لغة الخطاب أو غموضها عاملان:
الأول: نوع الكلمات التي يختارها المخاطِب والأسلوب الذي ينظمها فيه، ومدى قدرته على الإفصاح عن مقصوده بأيسر طريق، وسيتم الحديث عن هذا في العنصر الثاني من العناصر المتحكمة في فهم الخطاب، أي المخاطِب.
والثاني: هو طبيعة اللغة نفسها، فليست كلّ أساليب اللغة تدلّ دلالة واحدة لا تحتمل شكًّا في مقصود المتكلم من لفظه، بل الواقع أن دلالة اللفظ الواحد أو العبارة الواحدة تتفاوت تفاوتًا كبيرًا في تطرّق الإحتمال إلى المراد بها، فمنها ما يحتمل معنى