ومع كل هذا، يبقى المعنى المستنبط -في أكثر الأحيان- ظنيّا؛ لذلك قيل إن أكثر كلام العرب من قبيل الظاهر, وأن النص -بمعناه الأصولي- قليل فيه، ولذلك نجد أكثر الأدلّة الشرعيّة إِمَّا مِنْ قَبِيل الظاهر أو المجمل لما يتطرق إليها من احتمالات. أمّا المجمل فإنه يحتاج إلى مبيِّن يبيِّنه، وأما الظاهر فإن الأصلَ فيه أن يُحمل على ظاهره، لكنه لمّا كان يقبل التأويل فإنه قد يدخله التأويل، والذي يحدد المعنى المقصود منه هو ما يحفّ به من قرائن مقالية وحالية. (١)
(١) يرى الشاطبي أن النص في لسان العرب ينعدم أو يندر، لأن النص إنما يكون نصًّا إذا انتفت عنه احتمالات عشر، هي الإحتمالات الناشئة عن: نقل اللغات وآراء النحو، والاشتراك، والمجاز، والنقل الشرعي أو العادي، والإضمار، والتخصيص، والتقييد، والنسخ، والتقديم والتأخير، والمعارض العقلي، وإفادة القطع مع هذه الإحتمالات متعذر. انظر الشاطبي: الموافقات، مج ٢، ج ٤، ص ٢٤٠. ومذهب الشاطبي هذا غير مسلَّم، إذ يبدو أن حشر كل هذه الإحتمالات واشتراط انتفائها من أجل تحقق القطع بمعنى اللفظ أو النص أمر مُبَالَغ فيه، فالمطلوب إنما هو القطع العادي، وهو لا يحتاج إلى كل هذا، أما القطع العقلي فامر آخر. وقد ردّ الإمام الجويني في كتابه البرهان قول القائلين بندرة النصوص في القرآن والسنة وعلّق على ذلك بقوله: "هذا قول من لا يحيط بالغرض من ذلك، والمقصود من النصوص الإستقلال بإفادة المعاني على قطع، مع انحسام جهات التأويلات، وانقطاع مسالك الإحتمالات، وهذا وإن كان بعيدا حصوله بوضع الصيغ ردًّا إلى اللغة، فما أكثر هذا الغرض مع القرائن الحالية والمقالية، وإذا نحن خضنا في باب التأويلات وإبانة بطلان معظم مسالك المؤولين، استبان للطالب الفطن أن جُلّ ما يحسبه الناس ظواهر معرضة للتأويلات فهي نصوص ... ". البرهان، ج ١، ص ٢٧٨.