للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المطلب الأول

التعليل بين القائلين به والرافضين له

اختلف قول المتكلمين في التعليل على ثلاثة مذاهب: (١) مذهب المعتزلة الذين قالوا بوجوب تعليل أحداً الله تعالى وأفعاله، والماتريدية الذين قالوا بتعليلها بمصالح العباد، لكن لا على سبيل الوجوب، بل على سبيل التفضل والإحسان، والأشاعرة الذين رفضوا القول بفكرة التعليل كما هو مذهبهم في إنكار التحسين والتقبيح العقليين. ولإعطاء خلاصة عن هذه الموضوع أترك المجال للشيخ محمد الطاهر بن عاشور حيث يقوله في تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: ٢٩].

"وفي هذه الآية فائدتان: الأولى أن لام التعليل دلت على أن خلق ما في الأرض كان لأجل الناس، وفي هذا تعليل للخلق، وبيان لخمرته وفائدته، فتثار عنه مسألة تعليل أفعال الله تعالى وتعلقها بالأغراض. والمسألة مختلف فيها بين المتكلمين اختلافاً يشبه أن يكون لفظيّا، فإن جميع المسلمين اتفقوا على أن أفعال الله تعالى ناشئة عن إرادة واختيار وعلى وفق علمه، (٢) وأن جميعها مشتمل على حِكَم ومصالح، وأن تلك الحِكَم هي ثمرات لأفعاله تعالى ناشئة عن حصول الفعل فهي لأجل حصولها عند الفعل تثمر غايات، هذا كله لا خلاف فيه. وإنما الخلاف في أنها أتوصف بكونها أغراضاً وعللاً غائية أم لا؟ فأثبت ذلك جماعة استدلالاً بما ورد من نحو قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} [الذاريات: ٥٦]. ومنع من ذلك أصحاب الأشعري فيما عزاه إليهم الفخر في التفسير مستدلين بأن الذي يفعل لغرض يلزم أن يكون مستفيداً من غرضه ذلك ضرورةَ أن وجود ذلك الغرض أولى

بالقياس إليه من عدمه، فيكون مستفيداً من تلك الأولوية ويلزم من كون ذلك


(١) انظر تفصيل ذلك في: الرازي: المحصول، ج ٥، ص ١٧٢ - ١٩٦؛
(٢) وفي هذا نفي للعلة الغائية عند الفلاسفة التي تقضي بوجوب ترتب المعلول على العلة بغض النظر عن مدى تعلق ذلك بإرادة الخالق سبحانه وتعالى واختياره. انظر الرازي: المحصول، ج ٥، ص ١٧٩.

<<  <   >  >>